المنبجي من النصارى واليهود خلق كثير ، ونبشت قبور بني أمية في دمشق وغيرها وأحرقوهم بالنار ، ولم يبقوا على غير قبر عمر بن عبد العزيز في دير سمعان ، اعترافا بفضله وتقواه ، ونقضوا سور دمشق حجرا حجرا.
قيل : إن أهل دمشق لما حاصرهم عبد الله بن علي ، اختلفوا فيما بينهم ما بين عباسي وأموي ، وقيل : وقعت بينهم العصبية في فضل اليمن على نزار ، ونزار على اليمن ، حتى اقتتلوا ، فقتل بعضهم بعضا ، وذكروا أنه قتل فيها في هذه المدة نحو من خمسين ألفا. ولما جاءها عبد الله ابن علي وحاصرها فضيق حصارها ، بلغ بالناس الجهد فاستغاثوا ، ووجهوا إليه يحيى بن بحر يطلب لهم الأمان ، فخرج إليه فسأله الأمان ، فأجابه إليه فدخل فنادى في الناس بالأمان ، ثم قال له يحيى بن بحر : اكتب لنا أيها الأمير كتاب الأمان ، فدعا بدواة وقرطاس ، ثم ضرب ببصره نحو المدينة ، وإذا بالسور قد غشيه المسوّدة عسكر بني العباس فقال له : قد دخلتها قسرا. فقال يحيى : لا والله ولكن غدرا. فقال عبد الله : لو لا ما أعرف من مودتك لنا أهل البيت لضربت عنقك ، إذ استقبلتني بهذا ، ثم ندم فقال : يا غلام خذ هذا العلم فأركزه في داره ، وناد من دخل دار يحيى بن بحر فهو آمن ، فانحشر الناس إليها ، فما قتل فيها ، ولا في الدور التي تليها أحد ، ونادى المنادي بعد أن قتل خلق كثير : الناس آمنون إلا خمسة : الوليد بن معاوية ، ويزيد بن معاوية ، وأبان ابن عبد العزيز ، وصالح بن محمد ، ومحمد بن زكريا.
وصار عبد الله بن علي الى المسجد فخطبهم خطبته المشهورة ، التي يذكر فيها بني أمية ، وجورهم وعداوتهم ، ويصف ما استحلوا من المحارم والمظالم والمآثم ، قال ما يقوله العدو في عدوه. وأي عداوة أعظم من عداوة المتنازعين على الملك والسلطان ، وبينهم الطوائل والأحقاد القديمة والجديدة؟ وهذه الخطبة أشبه بكلام العلويين في الأمويين ، والأمويين في العلويين ، يقصد بها إثارة النفوس ، لينزع منها حب الدولة السالفة ، ويفسح مجال الأماني للناس ويرغبوا في الدولة الخالفة.