المحمود يحدوه الانتباه لكل ما يعلي شأن دولتهم. لما ثبتت الدولة الإسلامية هذا الثبات الذي استغرب منه الخبر والخبر. قال المقريزي : أظهر الرسول بني أمية لجميع الناس بتوليتهم أعماله مما فتح الله عليه من البلاد ، فقوي ظنهم وانبسط رجاؤهم وامتد في الولاية أملهم ، وضعف أمل بني هاشم وانقبض رجاؤهم وقصر أملهم. قال : وقد ظهر لي أن ولاية رسول الله بني أمية الأعمال كانت إشارة منه الى أن الأمر سيصير إليهم. قال : إنه عليهالسلام توفي وثلاثة أرباع عماله منهم.
وطد مؤسس ملك الأمويين السلطان بالشام وبجند من أهله قاتل هو وأخلافه ، واشتهر جند الشام بالطاعة حتى تمنى علي بن أبي طالب لو يقايض على عشرة من جنده بواحد من جند معاوية ، فقال في إحدى خطبه : «لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم». فتحت هذه الفتوح بنفس قوية وعقول راجحة وسياسة حازمة ، وقاتل زعماؤهم وأبناؤهم بل بناتهم ونساؤهم حتى فتحوا الشام. وكان من جملة توفيق معاوية أنه عرف طبائع هذا القطر وخصائصه من أبيه وآله وكانت لهم به علائق كثيرة في الجاهلية ، ثم درس أحواله بنفسه فكان يعرف قوته معرفة حقيقية ، ولذلك لم ينل منه علي بن أبي طالب منالا لأنه كان أخذ لهذا الأمر عدته وتدبره ودبّره كان يأخذ بآراء أشراف القوم والنزول على حكم وفود الأرجاء ، وكانت وفودهم تشبه ما يسميه الإفرنج بمجالس الولايات ، وكان لمعاوية وآل بيته مجالس يعقدونها في المسجد الجامع تدور حول سياسة الأمة في الأكثر ، وخطاب الخليفة يوم الجمعة بمثابة ما نسميه في عرف سياسة اليوم خطاب العرش ، ومجالسهم أشبه بمجالس النواب والشيوخ والولايات ، فلم يكونوا الى الاستبداد بالرأي في معظم حالاتهم.
وفي الحق أن معاوية بن أبي سفيان أورث الإسلام مجدا ، وأولى العرب عزّة ومنعة ، وكان العربي حيث نزل من الأرض محترما ، مرعي الجانب آمنا على نفسه وحقه ، ولم يوفق الى ذلك إلا بحسن السياسة وصائب التدبير. ذكر المسعودي ، وهو من المنحرفين عن بني أمية ، أن