في جموع كثيرة فخاف أن يشغلوه عما يحتاج الى تدبيره وأحكامه خصوصا بعد خروجه من وقعة صفين فوجه إليهم فصالحهم على مائة ألف دينار. وكان معاوية أول من صالح الروم ، فلما استقام له الأمر أغزى أمراء الشام على الصوائف فسبوا في الروم سنة بعد سنة ، وطلب صاحب الروم الصلح على أن يضعف المال فلم يجبه ، ورضي مرة بصلح ملك الروم على أن يكون عنده من أهل بيت ملكهم رهائن.
وحدث سنة ٣٤ أن معاوية كان يستعد لقصد القسطنطينية ويعد السفن الكثيرة بمدينة طرابلس ويحمل من السلاح أمرا عظيما أن أخوين لرجل يقال له بقنطر ، وكانا في خدمة العرب ، فلما نظرا ما أعده معاوية أخذتهما الغيرة فأتيا السجن ففتحاه وأخرجا من فيه من الروم وقتلوا عامل البلد وأحرقوا السفن والعدة وركبوا البحر. فلما بلغ معاوية ذلك جهز جيوشا كثيرة الى الروم فافتتح أرضا كثيرة وسبى من أهلها مئة ألف إنسان وبعث أخاه على البحر فانهزم الروم بحرا أيضا ، ثم تعددت وقائعه مع الروم. ومن وقائعه وقعة سنة ٣١. ولو لا النار التي اخترعها الروم لإحراق السفن ، وبها حرقت سفن كثيرة للعرب وهلك ألوف من رجال بحريتهم ، لامتدت الفتوحات ولسهل على معاوية فتح القسطنطينية كما سهل عليه غزو الروم لتحصينه سواحل الشام وإقامته الصناعة في صور وعكا وغيرها من مدن الشام.
توفي معاوية سنة ٦٠ بعد أن وطأ أكناف الملك وابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها ، منها أنه أول من وضع الحشم للملوك ورفع الحراب بين أيديهم ، ووضع المقصورة التي يصلي الملك أو الخليفة بها في الجامع منفردا عن الناس ، وهو أول من وضع البريد ، واخترع ديوان الخاتم واستخدم النصارى في مصالح الدولة ، فعهد بنظارة المالية الى منصور وسرجون من نصارى العرب الشاميين. أوصى معاوية بني أمية فقال : إنه لما قرب مني ما كان بعيدا ، وخفت إن يسبق الموت إليّ ويسبقكم بي سبقته اليكم بالموعظة لأبلغ عذرا ، وإن لم أردّ قدرا ، إن الذي أخلفه لكم من دنياي أمر تشاركون فيه أو تقبلون عليه ، وإن الذي أخلف لكم من