وأمّي ، فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجرّاح ، فإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني ، فدفعنا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فإذا طلحة بن يديه صريع ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «دونكم أخاكم فقد أوجب» ، وقد رمي النبي صلىاللهعليهوسلم في جبينه ، ورمي في وجنته حتى غابت حلقة من حلق المغفر في وجهه ، فذهبت لأنزعها عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر ألا تركتني ، فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه ، فجعل ينصنصه كراهة أن يؤذي النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم استلّ السهم بفيه ، وندرت ثنية أبي عبيدة ، قال أبو بكر : ثم ذهبت لأجد الآخر فقال أبو عبيدة : نشدتك الله يا أبا بكر ألا تركتني ، قال : فأخذه بفيه ، فجعل ينصنص السهم ، ثم استلّه ، ونذرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دونكم أخاكم ، فقد أوجب» (١) ، قال : فأقبلنا على طلحة نعالجه ، وقد أصابته بضع عشرة ضربة ، بين ضربة وطعنة ، منها نرفقا (٢) في جنبه ، ومنها ما قطع نساه حتى يبست إصبعه.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، أنا محمّد بن شجاع ، أنا محمّد بن عمر (٣) قال : قالوا : وقاتل طلحة بن عبيد الله يومئذ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قتالا شديدا ، فكان طلحة يقول : لقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث انهزم أصحابه وكثر (٤) المشركون ، فأحدقوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم من كل ناحية ، فما أدري أقوم من بين يديه أو من ورائه ، أو عن يمينه ، أو عن شماله ، فأذبّ بالسيف من بين يديه مرة ، وأخرى من ورائه حتى انكشفوا ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يومئذ لطلحة : «قد أنحب» (٥) ، وقال سعد بن أبي وقّاص وذكر طلحة فقال : يرحمهالله ، إن كان أعظمنا غناء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، قيل : كيف يا أبا إسحاق؟ قال : لزم النبي صلىاللهعليهوسلم وكنا نتفرق عنه ، ثم نثوب إليه ، لقد رأيته يدور حول النبي صلىاللهعليهوسلم يترس بنفسه. وسئل طلحة : يا أبا محمّد ما أصاب إصبعك؟ قال : رمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان لا يخطئ رميته ، فاتّقيت بيدي عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصاب خنصري ـ قيل إصبعه ـ قال حين رماه : حسّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو قال
__________________
(١) بالأصل : أحب.
(٢) كذا رسمها بالأصل.
(٣) مغازي الواقدي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٤) عند الواقدي : وكرّ المشركون.
(٥) أي قد قضى نذره (قاله في حاشية المغازي ١ / ٢٥٤).