كثرت الأعصار واغبرّت البلاد ، وأكل ما أشرف من الجنبة ، واستيقنّا أنه عام سنة ، قال : بئس المخبر أنت ، قال : أخبرتك بما كان ، قال : ائذن ، فدخل رجل من بني حنيفة من أهل اليمامة قال : كان وراءك من غيث؟ قال : سمعت الروّاد يدعو (١) إلى ريادتها وسمعت قائلا يقول : هلم أظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران وتشكّى فيها النساء ، ويتنافس فيها المعزى ، قال : فو الله ما درى الحجاج ما أراد قال : ويحك ، إنما تحدّث أهل الشام فأفهمهم.
قال : أمّا تطفأ فيها النيران : فأخصب الناس فلا يوقد (٢) نار يختبز فيها ، فكان السمن والزبد واللبن. أما تشكّى النساء : فإن المرأة تظلّ تربق (٣) بهمها ويمحض لبنها ، فتبيت ولها أنين من عضديها (٤) كأنهما ليسا منها.
وأمّا تنافس المعزى : فإنها ترعى (٥) من أنواع الشجر وألوان الثمار ، ونور النبات ما تشبع بطونها ، ولا يشبع عيونها ، فتبيت وقد امتلأت أكراشها ، لها من الكظّة جرّة وتبقى الجرّة حتى يستنزل بها الدرة.
قال : ائذن ، فدخل رجل من الحمراء من الموالي ، وكان من أشد أهل زمانه ، قال : من أين؟ قال : من خراسان ، قال : هل كان وراءك من غيث؟ قال : نعم ، ولكن لا أحسن أقول كما قال هؤلاء ، قال : فما تحسن أنت؟ قال : أصابتني سحابة بحلوان (٦) ، فلم أزل أطأ في أثرها حتى دخلت على الأمير ، قال : لئن كنت أقصرهم في المطر قصة إنك لأطولهم بالسّيف خطوة.
قال : ونا المعافى القاضي (٧) ، نا أبي ـ رحمهالله ـ نا أبو عبد الله الصوفي ، نا سليمان بن عمر الأقطع الرّقّي ، نا عيسى بن يونس ، نا عبّاد بن موسى ـ رجل من أهل واسط ـ عن أبي بكر الهذلي ، عن الشعبي قال : أتي بي الحجّاج موثقا فلما انتهينا إلى
__________________
(١) في الجليس الصالح : يدعون.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : توقد.
(٣) بالأصل وم : «تزين» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٤) عن م والجليس الصالح ، وبالأصل : عضدها.
(٥) بالأصل وم والجليس الصالح «ترى» والمثبت عن المطبوعة.
(٦) حلوان : بليدة في آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان (معجم البلدان).
(٧) الجليس الصالح الكافي ١ / ٢٨٤.