الماء غير لذيذ إلى حد أن الشاي فقد مذاقه. ونظرا لحالة الماء هذه قررنا مواصلة السر بعد راحة قصيرة.
إنطلقنا في الساعة ١١ مساء. انهكني الحصان المتهيج ، ناهيك بأن سلسلة الشكيمة انقطعت ، فأخذ الحصان يندفع ، ويرفس ، ويعض ، ولا يتيح الاقتراب من أحد. أخيرا ، تقدمنا كيفما اتفق ؛ ركبنا من الحمير والأحصنة على بعد ٥٠٠ خطوة تقريبا أما الهجائن. وفجأة ، حوالي الساعة الثانية ليلا ، حين أخذ النعاس يسيطر بقوة ، دوت على التوالي بضع طلقات في الركب الخلفي. قلت في نفسي : أخيرا وقع تبادل النار. توقفت ، سحبت المسدس ، أردت أن أعرف ما سيحصل. ولكن شيئا لم يحصل ، اقتربت الهجائن التي انطلقت من موقفها الطلقات ، وعلمنا انه تراءى لأحد الحجاج أن بدويّا يقتطع من اجربته أشياء ، فصاح ، فاطلقوا انذارا ، وركضوا إلى الحاج المذنب ، ولكن وجدوا كل شيء في محله. يبدو أن أسلوب السرقة هذا يمارس هنا على نطاق واسع. يتمدد البدوي على الرمل ؛ وحين يقترب الجمل منه ، يقفز (الجمال المحلية لا تعرف الخوف اطلاقا) ، ويستغل واقع أن راكب الجمل لا يرى ما يجري تحت الجمل بسبب الاجربة ، فيبتر الاجربة ويسحب الأشياء.
تبدد النوم ، وتمدد الركب وواصل السير على انشاد الحادي. ودائما كنت أنظر بحسد إلى أصحاب الحمير. يؤجر كل منهم حمارين أو ثلاثة ، ويمضي هو نفسه في المؤخرة على حمار احتياطي ؛ وهم دائما مرحون ، ودائما يضحكون ، جالسين بصورة جانبية على حميرهم ، لابسين على الرأس عمامة جميلة ، وعلى الجسم قميصا أزرق طويلا مزنرا وحسب. وطوال الطريق كله يثرثرون مع رفاقهم بلا كلل ، وغالبا ما يدخنون سيجدارة واحدة معا لكل ٥ ـ ٦ أشخاص. كل منهم شاب ممشوق القامة ، رشيق القوام. كثيرون منهم مسلحون بالمسدسات. هذه المرحلة كان مضنية : النهار القائظ السابق ، الماء الرديء ، ليل الأرق ، ـ