[برهان المحقّق الرشتيّ على امتناع تقديم الصدوريّ على الجهتيّ]
والعجب كلّ العجب أنّه رحمهالله (١) لم يكتف بما أورده من النقض حتّى ادّعى استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجّح (٢) على الترجيح به ، وبرهن عليه بما حاصله : «امتناع التعبّد بصدور الموافق ، لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقيّة ، ولا يعقل التعبّد به على التقديرين بداهة ، كما أنّه لا يعقل التعبّد بالقطعيّ الصدور الموافق ، بل الأمر في الظنّيّ الصدور أهون ، لاحتمال عدم صدوره (٣) بخلافه (٤)».
ثمّ قال : «فاحتمال تقديم المرجّحات السنديّة على مخالفة العامّة ، مع نصّ الإمام عليهالسلام على طرح موافقهم ، من العجائب والغرائب الّتي لم يعهد صدورها من ذي مسكة (٥) فضلا عمّن هو تالي العصمة علما وعملا».
ثمّ قال : «وليت شعري أنّ هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه ، مع أنّه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شقّ القمر» (٦).
[فساد البرهان المذكور]
وأنت خبير بوضوح فساد برهانه ، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين
__________________
ـ ثانيهما : أن يكون مراده من التعبّد بهما هو تساويهما بحسب دليل الاعتبار وإمكان الحجّيّة ، لا الحجّيّة الفعليّة. وعليه لا يرد النقض المذكور على الشيخ ، لأنّ التساوي من جهة إمكان الحجّيّة موجود في المتكافئين دون المتخالفين المتفاضلين ، لأنّ أخبار العلاج يدلّ على حجّيّة خصوص ذي المزيّة ، فلا يتساوي الخبران المتفاضلان في دليل الاعتبار ، بل يمكن التعبّد بذي المزيّة. بخلاف المتكافئين صدورا ، حيث لا يمكن التعبّد بصدور أحدهما دون الآخر ، لإمكان شمول دليل الحجّيّة لهما ، فلا بدّ من الترجيح بالمرجّح الجهتيّ.
(١) أي : المحقّق الرشتيّ.
(٢) أي : المرجّح الجهتيّ.
(٣) أي : عدم صدور الظنّي الصدور.
(٤) أي : بخلاف القطعيّ الصدور.
(٥) رجل ذو مسكة ومسك أي : رجل ذو رأي وعقل. راجع لسان العرب ١٠ : ٤٨٨ ، تاج العروس ٧ : ١٧٧.
(٦) بدائع الأفكار : ٤٥٧.