هذا بناء على حجّيّة الأمارات من باب الطريقيّة ـ كما هو كذلك ـ ، حيث لا يكاد يكون حجّة طريقا إلّا ما احتمل إصابته ، فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجّيّته (١).
[الأصل الأوّليّ بناء على السببيّة]
وأمّا بناء على حجّيّتها من باب السببيّة فكذلك (٢) لو كان الحجّة هي خصوص ما لم يعلم كذبه ، بأن لا يكون المقتضي للسببيّة فيها (٣) إلّا فيه (٤) ، كما هو (٥) المتيقّن
__________________
ـ بالنسبة إلى نفي الثالث فيما إذا لا يلزم منه مخالفة عمليّة للمعلوم بالإجمال. نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٧٦.
ثانيهما : ما ذكره المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة في الوجود ، لا في الحجّيّة ، فإنّ اللازم تابع للملزوم بحسب مقام الثبوت والإثبات ، وليس تابعا له في الحجّيّة كي يكون سقوط شيء عن الحجّيّة في الملزوم موجبا لسقوطه عن الحجّيّة في اللازم. وعليه فإذا سقط الدليلان عن الحجّيّة بالنسبة إلى مؤدّاهما المطابقيّ للمعارضة لا يلزم سقوطهما عن الحجّيّة بالنسبة إلى مدلولهما الالتزاميّ ـ أي نفي الثالث ـ ، لعدم المعارضة بينهما في نفيه. فلو كان مفاد أحد المتعارضين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مفاد الآخر حرمة الدعاء في ذلك الوقت فبالنسبة إلى نفي الكراهة والإباحة والاستحباب عن الدعاء عند رؤيته يتوافقان. فوائد الاصول ٤ : ٧٥٥ ـ ٧٥٦.
الثالث : أنّه يصحّ نفي الثالث بذات الخبرين ، لا بما هما حجّتان. وهذا ما ذهب إليه المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٣ : ٣٣٤.
الرابع : أنّه لا يصحّ نفي الثالث مطلقا ، لا بأحدهما غير المعيّن ولا بهما ، بل يصحّ الالتزام بحكم ثالث بعد تساقط الدليلين ، ولو بالأصل ، فيحكم بالإباحة لأصالة عدم الوجوب والحرمة. وهذا ما ذهب إليه السيّد المحقّق الخوئيّ ـ بعد ما ناقض في كلام المصنّف رحمهالله والمحقّق النائينيّ ـ ، فراجع مصباح الاصول ٣ : ٣٦٧ ـ ٣٧٠.
(١) وأورد عليه المحقّق العراقيّ بما مرّ في التعليقة السابقة ، فراجع.
(٢) أي : لم يكن واحد منهما بحجّة في خصوص مؤدّاه ، وإنّما يمكن نفي الثالث بأحدهما.
(٣) أي : في الأمارات.
(٤) أي : فيما لم يعلم كذبه.
(٥) أي : كون الحجّة خصوص ما لم يعلم كذبه.