وفيه : أنّه إنّما يجب الترجيح لو كانت المزيّة موجبة لتأكّد ملاك الحجّيّة في نظر الشارع ، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزيّة بالإضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان ، وكان الترجيح بها بلا مرجّح (١) ، وهو قبيح ، كما هو واضح ، هذا.
مضافا إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أنّ الترجيح بلا مرجّح في الأفعال الاختياريّة ـ ومنها الأحكام الشرعيّة ـ لا يكون إلّا قبيحا ، ولا يستحيل وقوعه إلّا على الحكيم تعالى ، وإلّا فهو بمكان من الإمكان ، لكفاية إرادة المختار علّة لفعله ، وإنّما الممتنع هو وجود الممكن بلا علّة ، فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح إلّا من باب امتناع صدوره منه تعالى ، وأمّا غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو المرجوح ممّا باختياره.
وبالجملة : الترجيح بلا مرجّح بمعنى «بلا علّة» محال ، وبمعنى «بلا داع عقلائيّ» قبيح ليس بمحال ، فلا تشتبه.
ومنها : غير ذلك (٢) ممّا لا يكاد يفيد الظنّ ، فالصفح عنه أولى وأحسن.
[حكم تخيير المفتي في عمله وعمل مقلّديه]
ثمّ إنّه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلّديه. ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعيّة ، لعدم الدليل عليه فيها.
نعم ، له الإفتاء به في المسألة الاصوليّة (٣) ، فلا بأس حينئذ باختيار المقلّد غير ما اختاره المفتي ، فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الّذي لا شبهة فيه.
__________________
(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «فكان الترجيح بها بلا مرجّح».
(٢) راجع مفاتيح الاصول : ٦٨٧ ، وفرائد الاصول ٤ : ٥٣ ـ ٥٤.
(٣) وهي حجّيّة أحد الخبرين تخييرا.