الحكم بصدور الموافق تقيّة ، كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما ، فيكون هذا المرجّح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.
قلت : لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ، لأنّه إلغاء لأحدهما في الحقيقة» (١).
وقال ـ بعد جملة من الكلام ـ : «فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علما كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في المتكافئين من الأخبار. وإمّا ما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن دون الآخر ، فلا وجه لإعمال هذا المرجّح فيه ، لأنّ جهة الصدور متفرّع على أصل الصدور» (٢). انتهى موضع الحاجة من كلامه «زيد في علوّ مقامه».
وفيه : ـ مضافا إلى ما عرفت (٣) ـ أنّ حديث فرعيّة جهة الصدور على أصله إنّما يفيد إذا لم يكن المرجّح الجهتيّ من مرجّحات أصل الصدور ، بل من مرجّحاتها (٤). وأمّا إذا كان من مرجّحاته بأحد المناطين (٥) ، فأيّ فرق بينه وبين سائر المرجّحات؟ ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبّد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها (٦) ، بل هو أوّل الكلام ، كما لا يخفى. فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجّحين بحسب أحد المناطين ، أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة ، ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرّض لهذه الصورة ، فالمحكّم هو إطلاق التخيير ، فلا تغفل.
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ١٣٦ ـ ١٣٧.
(٢) نفس المصدر السابق.
(٣) من عدم الوجه لمراعاة الترتيب بين المرجّحات.
(٤) أي : بل كان من مرجّحات جهة الصدور.
(٥) أي : مناط الظنّ بالصدور أو مناط الأقربيّة إلى الواقع.
(٦) أي : بحسب الجهة.