لا يقال : إنّ العامّ بعد تخصيصه بالقطعيّ (١) لا يكون مستعملا في العموم قطعا ، فكيف يكون ظاهرا فيه (٢).
فإنّه يقال : إنّ المعلوم عدم إرادة العموم ، لا عدم استعماله فيه لإفادة (٣) القاعدة الكلّيّة ، فيعمل بعمومها ما لم يعلم بتخصيصها ، وإلّا لم يكن وجه في حجّيّته في تمام الباقي ، لجواز استعماله حينئذ فيه وفي غيره من المراتب الّتي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص (٤).
وأصالة عدم مخصّص آخر (٥) لا توجب انعقاد ظهور له ، لا فيه ولا في غيره
__________________
ـ وأجاب الشيخ الأعظم الأنصاريّ عمّا أفاد المحقّق النراقيّ بوجهين :
أحدهما : أنّ تقديم أحد الخاصّين معيّنا على العامّ ثمّ ملاحظة نسبة العامّ مع الخاصّ الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فلا محيص عن ملاحظتهما معا مع العامّ.
ثانيهما : أنّه إذا خصّص العامّ بأحد الخاصّين فلا ينعقد له ظهور في الباقي ، إلّا مع إحراز عدم المخصّص ، ومع وجود الخاصّ الآخر لا يمكن إحراز عدم المخصّص ، فلا ينعقد له ظهور في الباقي كي يصلح لمعارضة الخاصّ الآخر وملاحظة النسبة بينهما. فرائد الاصول ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤.
(١) كالإجماع والعقل.
(٢) والحاصل : أنّ المخصّص القطعيّ ـ كالعقل أو الإجماع الّذي يكون كالمخصّص المتّصل ـ يكشف عن عدم استعمال العامّ في العموم من أوّل الأمر ، وحينئذ فاللازم ملاحظة النسبة بين العامّ والخاصّ الثاني بعد تخصيصه بالخاصّ الأوّل المفروض كونه قطعيّا.
(٣) متعلّق بقوله : «استعماله».
(٤) حاصل الجواب : أنّ المخصّص المنفصل القطعيّ لا يكاد يكون قرينة على عدم استعمال العامّ في العموم كي يمنع ظهوره في العموم ، بل إنّما يكون قرينة على أنّ المتكلّم لم يرد العموم في مقام الثبوت وعالم الواقع ، وعدم إرادة العموم في مقام الثبوت لا يلازم عدم استعماله فيه في مقام الإثبات.
إن قلت : إذا لم يرد المتكلّم العموم من العامّ فما الفائدة في استعمال العامّ فيه؟
قلت : يمكن استعمال العامّ في العموم لأجل إفادة قاعدة كلّيّة تكون مرجعا عند الشكّ في التخصيص. ويشهد بذلك ما هو المعروف من حجّيّة العامّ في تمام ما بقي بعد التخصيص ، إذ مع عدم استعمال العامّ في العموم لا وجه لحجّيّته في الباقي ، لاحتمال عدم كون المستعمل فيه بعد التخصيص تمام الباقي ، بل يحتمل استعماله في بعض مراتب الباقي.
(٥) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث أثبت ظهور العامّ في تمام الباقي بأصالة عدم ـ