__________________
ـ على النهي عن اتّباع غير العلم يكفي في الردع عن مثل بناء العقلاء.
الأمر الثالث : أنّ المحقّق النائينيّ ناقش فيما أفاد المصنّف قدسسره إيرادا على الصغرى والكبرى.
أمّا الإيراد على الصغرى : فناقش فيه بما حاصله : أنّ دعوى ثبوت بناء العقلاء في الجملة ممّا لا اشكال ولا سبيل إلى إنكارها ، لأنّه قد استقرّت الطريقة العقلائيّة على العمل بالحالة السابقة وترتيب آثار البقاء عند الشكّ في الارتفاع ، كما يشاهد ذلك في مراسلاتهم ومعاملاتهم ومحاوراتهم ، بل لو لا ذلك يلزم اختلال النظام. وليس عملهم على ذلك لأجل الرجاء ، ولا لحصول الاطمئنان ، بل يكون لأجل أنّه مقتضى فطرتهم ، فصار البناء على بقاء المتيقّن من المرتكزات في أذهانهم.
وأمّا الإيراد على الكبرى : فناقش فيه بأنّ الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم لا تصلح لأن تكون رادعة عن السيرة العقلائيّة ، لما مرّ في حجّيّة خبر الواحد من أنّ جميع موارد السيرة العقلائيّة خارجة عن العمل بما وراء العلم تخصّصا ، فإنّ السيرة حاكمة على الآيات.
ثمّ ناقش فيما ذكره المصنّف قدسسره من أنّه تكفي الآيات والسنّة الناهيتان عن العمل بغير العلم في الردع عن مثل بنائهم. وحاصل المناقشة : أنّ كلامه هذا ينافي ما تقدّم منه في مبحث حجّيّة خبر الواحد من أنّ تلك الآيات لا يمكن أن تكون رادعة عن الطريقة العقلائيّة ، مع أنّ بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة لو لم يكن أقوى من بنائهم على العمل بخبر الواحد فلا أقلّ من التساوي بين المقامين ، فكيف كانت الآيات رادعة عن بناء العقلاء في المقام ولم تكن رادعة عنه في ذلك المقام؟!
ثمّ إنّه ـ بعد ما قوّى اعتبار السيرة العقلائيّة في المقام ـ قال : «ولكنّ القدر المتيقّن من بناء العقلاء هو الأخذ بالحالة السابقة عند الشكّ في الرافع». فوائد الاصول ٤ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣.
وأمّا المحقّق العراقيّ : فوافق المصنّف في الكبرى ومنع عن حجّيّة بناء العقلاء ، وفصّل في الصغرى وذهب إلى أنّ ثبوت بنائهم على الأخذ بالحالة السابقة من باب الاستصحاب في الامور الراجعة إلى معاشهم وأحكامهم العرفيّة ممّا لا سبيل إلى إنكاره ، لما يرى منهم من ترتيب آثار البقاء على الشيء عملا مع الشكّ في ارتفاعه. وأمّا دعوى ثبوت البناء المزبور في الامور الدينيّة والأحكام الشرعيّة ففاسدة ، بل يمكن دعوى أنّه لا يكون لهم طريقة خاصّة في الامور الدينيّة.
ثمّ أجاب عمّا أورده المحقّق النائينيّ على المصنّف قدسسره من دعوى المنافاة بين كلاميه في المقامين. وحاصل الجواب : أنّ بين المقام وبين حجّيّة خبر الواحد فرق ، حيث أنّ عدم رادعيّة الآيات هناك انّما هو من جهة قيام السيرة العقلائيّة على تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن موضوع تلك النواهي ، بخلاف المقام ، فإنّ بنائهم على ـ