خبر كان. والمضمر ، لا يكون حالا. فثبت أن قولك : كان زيد قائما ، إنما هو بمنزلة قولك : ضرب زيد عمرا. فالاسم مشبه بالفاعل ، والخبر مشبه بالمفعول ، لمّا جاء بعد الفعل ، والفاعل ، كمجيء المفعول بعدهما.
وأما (ليس) : فإن سيبويه (١) ، وأصحابه ، زعموا أنه فعل. وأبو علي ، خالفهم ، فزعم : أنه حرف (٢). وقال : لأنه لا يتصرف ، وليس في الأفعال ، ما هو على صيغته ، وأنه لا يدل على ما يدل عليه الأفعال. وإنما (ليس) : لنفي الحال ، بمنزلة (ما) لا فرق بينهما. قال : ولا يدل قولك : لست ، ولسنا ، ولست ، على أنه فعل ، لأنه مشبه بالفعل (٣).
نقول : إن (ليس) : فعل ، وأصله : ليس ، على وزن : علم ، وصيد ، من حيث إن آخره مفتوح ، ولكنه ، لما لم يتصرف ألزم عينه الإسكان ، ليدل [٤٠ / ب] : ذلك على جموده ، وكونه غير متصرف. ولو كان متصرفا ، لقيل : لاس ، كما قيل في : هيب : هاب. ولأنك ، تقول : لست ، ولستم ، وليسوا. ولو كانت بمنزلة ما لم يتصل بها هذه المضمرات على حد ما يتصل بالأفعال.
ولأن : ليس ، بمنزلة : كان ، في جواز تقديم الخبر عليه. كما لا تقول : قائما ما زيد. فثبت بهذا أنه فعل. وإن منعت من تقدم الخبر عليه ، حاججناك (٤) ، بمثل ما حاججت به غيرك ، فنقول لك : الدليل على جواز تقديم خبر ليس ، قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(٥). ففي ليس ضمير العذاب ، مرتفعا ، بكونه اسما له. وقوله : (مصروفا) ، خبر. ويوم يأتيهم : منصوب بمصروف ، وقدمه على ليس : فجاز تقديم الخبر عليه ، لما جاز تقديم معموله عليه ، لأن معمول الخبر ، يقع حيث يجوز وقوع الخبر. ألا ترى أنك حاججت غيرك ، بجواز تقديم خبر المبتدأ بقول [الشاعر] وهو مطلع القصيدة :
٨٧ ـ كلا يومي طوالة ، وصل أروى |
|
ظنون ، آن مطّرح الظّنون (٦) |
ف (وصل أروى) : مبتدأ. و (ظنون) : خبره. و (كلا يومي) : ظرف ل (ظنون) وقدمه على (وصل أروى). كما أن (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ظرف معمول لمصروف ، مقدم على (ليس). فليس لك أن تقول : إن (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ظرف ، فتكتفي بالمعنى ، كقولهم : أكل يوم لك ثوب [لأن] : كلا ظرف أيضا ، ومع ذلك حاججت به غيرك ، فنحن أيضا نحاجك بهذا ، على أنك قد كررت هذه المسألة.
__________________
(١) الكتاب ١ : ٤٦ ، وفيه : (فأما ليس فإنه لا يكون فيها ذلك (أي : التصرف) ، لأنها وضعت موضعا واحدا ، ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الآخر).
(٢) ابن عقيل ١ : ٢٦٢.
(٣) المقتصد ١ : ٤٠٧ ـ ٤٠٩ ، ففيه نقل عبد القاهر الجرجاني مجمل رأي أبي علي في : (ليس).
(٤) الخطاب لأبي علي.
(٥) ١١ : سورة هود ٨.
(٦) البيت من الوافر ، للشماخ ، في : ديوانه ٣١٩ ، والمقتصد ١ : ٣٠٢ ، والإنصاف ١ : ٦٧ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٥٧ ، واللسان (طول) ١١ : ٤١٥.
طوالة : اسم بئر. ظنون : القليلة الماء. كنى بطوالة ، ومائها القليل عن : وصل أروى الضعيف.