تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ)(١) ، فيجوز أن يكون (الذين) جرا ، صفة للقوم.
والمخصوص بالذم محذوف. والتقدير : بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله ، مثلهم. ويجوز أن يكون التقدير : بئس مثل القوم ، مثل الذين. فحذف المضاف ، وارتفع الذين ؛ لقيامه مقام المضاف. فأما قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا)(٢) ف (ما) موصول. والجملة : وصل له. و (أن يكفروا) هو المخصوص بالذم. والتقدير : بئس المشترى به أنفسهم ، كفرهم. وقد قدر قوم (ما) منكورا ، في تقدير : شيء. والجملة : وصف له ، والوجه الأول. ومثله قوله تعالى : (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(٣) ؛ أي : نعم الذي يعظكم به وعظه. فحذف المخصوص بالمدح. ويجوز : نعم شيئا يعظكم به وعظه. فتكون الجملة وصفا.
والفصل بين نعم ، وما عمل فيه ، قد جاء بالظرف ، نحو قوله : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٤). ولم يجيزوا في التعجب ، نحو : ما أحسن اليوم زيدا. وعلى هذا القياس ، جائز. أعني : بئس اليوم ، الرجل زيد.
باب عسى
اعلم أنّ (عسى) فعل ، غير متصرف. وإنما قلنا : غير متصرف ؛ لأنه للطمع ، والإشفاق ، فأشبه (لعلّ). و (لعلّ) لم يتصرف ؛ لأنه للطمع ، ولأنه حرف. فكذلك ما يشبهه ، وجب أن لا يكون متصرفا. و (عسى) هاهنا ، بمنزلة (لعل) فلهذا ، قلنا : لا يتصرف. و (كاد) و (عسى) من باب واحد. و (كاد) للمقاربة ، و (عسى) أيضا للمقاربة. إلا أن (كاد) أشدّ مقاربة من (عسى) لأن (كاد) للحال ، و (كاد) [١٣٢ / ب] مشبّه ب (عسى) و (عسى) مشبه ب (لعل) وقد يقال : كاد يكاد ، ويجيء منه المستقبل.
[فإن قلت] : لم جاء المستقبل من (كاد) ولم يجئ من (عسى)؟.
[الجواب] : أنا نقول : (عسى) مشبه ، ب (لعلّ) و (كاد) مشبه ب (عسى) ف (عسى) بمشابهته الحرف ، أقرب ، وأولى ؛ فقلنا : إنه لا يجيء منه المستقبل. فأما (كاد) فمشبه ب (عسى) فجاز أن يأتي منه المستقبل. ولمعنى آخر ، وهو : أنّ (عسى) لا يكون إلا للطمع. والطمع لا يصح إلا في الاستقبال.
فأما الطمع فيما مضى ، من الأزمنة ، فمحال. فلما كان كذلك ، قلنا : إنه يبنى منه (فعل) ولا يبنى منه المستقبل ؛ لأن الماضي أخف من المستقبل ، لأن في المستقبل ، حرفا زائدا ، على الماضي ؛ فاخترنا الماضي لخفته ، واكتفينا بأن يقوم في الدلالة على المستقبل ، لأن (أن) من دلالات المستقبل ، فاكتفينا به ، لأنه بمعنى الطمع. والطمع يصح في المستقبل ، لأنا لو قلنا : إنه يبنى منه فعل المستقبل ، فيقال (يعسو) كان يقع على الحال ، وعلى الاستقبال. والطمع لا يصح في الحال.
__________________
(١) ٦٢ : سورة الجمعة ٥.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٩٠.
(٣) ٤ : سورة النساء ٥٨.
(٤) ١٨ : سورة الكهف ٥٠.