فتئ ، وما برح ، وليس ، وما تصرف منهن.
[قلت] : اختلف الناس ، في هذه الكلمات. هل هي أفعال ، أم حروف؟. ولا خلاف ، عند البصريين ، في أحد عشر منها ، أنها أفعال. وإنما اختلفوا في (ليس) (١). أعني البصريين. فأما غيرهم ، فقد خالفهم. فزعم أن هذه الكلمات لسن بأفعال على الحقيقة (٢) ، لأن الفعل ما دل على الحدث ، والزمان [كليهما]. و (كان) الناقصة ، إنما تدل على الزمان المجرد ، فحسب. فلا يكون فعلا. قال : ولا يلزم تصرفه ، لأنه مشبه بالفعل. ونحن نقول : هذه أفعال كلها على الحقيقة. والدليل على ذلك : أنها يتصل بها الضمير ، كما يتصل بسائر الأفعال. تقول : كنت ، وكنت ، وكنت ، كما تقول : ضربت ، وضربت ، وضربت. قال [٤٠ / أ] سيبويه (٣) : وتقول : كنته ، وكناهم ، وكانني ، وكانونا.
كما تقول : ضربني ، وضربته ، وضربتهم ، وضربناهم ، وضربونا ، وأنشد [قول الشاعر] :
٨٦ ـ فإن لا يكنها ، أو تكنه ، فإنّه |
|
أخوها غذته أمّه بلبانها (٤) |
فهذا دليل على أنها أفعال ، والتصرف أيضا كذلك ، يدل على كونها أفعالا. فأما دلالتها على الزمان المجرد ، فإن الخبر صار كالعوض عن الحدث المسلوب عنها : فقولك كان زيد قائما ، إنما ذكر قائما ، هاهنا ، لأنه ، لما قيل : كان زيد ، لم يكن الكلام تاما ، لأنك ذكرت اسما مع كلمة دلت على الزمان المجرد ، فذكرت (قائما) ، ليصير عوضا عن ذلك. أعني عن الحدث. هذا هو مذهب صاحب اللمع ، وأبي علي ، وكان غيرهما يزعم أنك إذا قلت : كان زيد قائما ، دل (كان) على استحقاق زيد بالإخبار عنه بالقيام ، فيما مضى ، فدل (كان) على الاستحقاق ، والزمان ، فصار كسائر الأفعال. وقول أبي الفتح ، أظهر في هذا ، لما ذكرنا. وزعم الفراء (٥) إنك إذا قلت : كان زيد قائما ، انتصب (قائما) على الحال ، وهو غلط منه ، لأنا نقول : كان زيد القائم ، فتنصبه على الحال.
والحال ، لا يكون معرفة. فثبت بطلان ما قال. وتقول : زيد كان عمرو إياه ، فتنصب (إياه) ، لأنه
__________________
(١) المغني ١ : ٢٩٣ ، وفيه : (وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة (ما) ، وتابعه الفارسي في الحلبيات ، وابن شقير ، وجماعة). غير أني وجدت في : أصول ابن السراج ١ : ٩٣ ، ما نصه : (فأما ليس فالدليل على أنها فعل ، قولك : لست ، ولستما ، ولسنا ....) ، وفي : جمل الزجاجي ١ : ٣٧٨ : (فإن فيها (أي : في ليس) خلافا ، فمذهب الفارسي ، ومن أخذ بمذهبه ، أنها : حرف).
(٢) الأصول ١ : ٩٢ ، وفيه : (فأما مفارقتها للفعل الحقيقي فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى ، وزمان .... وهي تدل على : الزمان فقط). وفي المسائل المشكلة ١١٦ ما نصه : (وإنما حكم لهذه الحروف بأنها أفعال مع تعريها من الدلالة على الحدث لغلبة خواص الأفعال عليها ، فجعل الحكم فيها للأغلب ، ولو لا ذلك لم يحكم لها بالفعلية).
(٣) الكتاب ١ : ٤٦.
(٤) البيت من الطويل ، لأبي الأسود الدؤلي ، في ديوانه ١٢٨ ، والكتاب ١ : ٤٦ ، والتحصيل ٧٠ ، وابن يعيش ٣ : ١٠٧ ، واللسان (لبن) ١٣ : ٣٤٧ ، والخزانة ٣٢٧ ، ٣٣١.
وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٩٨ ، والإنصاف ٢ : ٨٢٣ ، والجمل ١ : ٤٠٧ ، وشواهد التوضيح ٨٠.
(٥) الإنصاف (مسألة ١١٩) ٢ : ٨٢١ ، وهذا هو مذهب الكوفيين في إعراب المنصوب بعد (كان) ، وثاني مفعولي (ظن).