ذات [٦٩ / ب] ثوائكم (١). وإذا تتبعت ، فليكن هكذا.
باب ظرف المكان
[قال أبو الفتح] : المكان : ما استقرّ فيه ، أو تصرّف عليه. وإنما الظرف منه : ما كان مبهما غير مختص ، مما في الفعل ، دلالة عليه. والمبهم : ما لم يكن له أقطار تحصره ، ولا نهايات تحيط به.
نحو : خلفك ، وأمامك ، وقدامك ، ووراءك ، وتلقاءك ، وتجاهك ، وقربك ، وقريبا منك ، وصددك ، وصقبك.
[قلت] : إنما يتعدى الفعل إلى ظرف المكان المبهم ، دون المختص ، بلا واسطة جار ، لأنه يقتضيه ، كما يقتضي الزمان من جهة الصيغة ، يقتضي المكان من جهة المعنى.
والمبهم : هي الأقطار الستة : خلفك ، وقدامك ، وتحتك ، وفوقك ، ويمينك ، وشمالك.
وما ذكر (٢) من سوى هذه الألفاظ الستة ، فإنها في الحقيقة ، ليست بمبهمة إبهام هذه الستة ، ولكنها مشبّهة بهذه الستة في وجه من الوجوه. أو فيها بعض الإبهام. فإذا قلت : أنا قريبا منك ، بالنصب ، فمعناه : أنا مكانا قريبا منك. ف (قريب) صفة لمكان. وإذا قلت : أنا قريب منك ، بالرفع ، ف (قريب) هو الأول ، وهو اسم الفاعل. وكذلك قوله تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ)(٣) هو منصوب على الظرف ، وإن كان خارجا من هذه الستة ، لكنه مبهم بعض الإبهام.
والجملة في هذا كله ، أنّ اسم المكان ، إذا كان مبهما ، كان ظرفا. وإذا لم يكن مبهما ، لم يكن منصوبا بالفعل الواقع قبله. وإنما يتعدى إليه الفعل بحرف الجر. فقولك : قعدت في المسجد ، لا يجوز فيه : قعدت المسجد ، ولا قعدت السوق. لا بد من الجار ، لأن هذه الأسماء المخصوصة ، أعني : أسماء الأمكنة ، عندهم ، بمنزلة الآدميين ، من حيث إنّ لها أشباحا ، وصورا.
فكما لا تقول : مررت زيدا. وتعدّي (مررت) إلى زيد ، حتى تجيء بالباء ، إذ ليس في لفظ (قعدت) ما يدل على المسجد ، دون غيره ، حتى تقول : في المسجد ، كما قلت : بزيد هناك. وإذا [٧٠ / أ] ثبت هذا ، فما جاء من غير المبهمة منصوبة على الظرف ، فإنه عند سيبويه (٤) بإضمار الجار. فقولهم : أنت مني مناط الثريا. وأنت مني معقد الإزار ، ومزجر الكلب. [وقول الشاعر] :
١٧٣ ـ فوردن ، والعيّوق مقعد رابئ (م) الضّرباء ، فوق النّجم ، لا يتتلّع (٥)
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ٣٦٥ ، إذ نقل الطبرسي في تفسيره فحوى كلام جامع العلوم.
(٢) أي : أبو الفتح.
(٣) ٢٠ : سورة طه ٨٠.
(٤) الكتاب ١ : ٤١٢ ، ٤١٣ ، ٤١٤.
(٥) البيت من الكامل ، لأبي ذؤيب الهذلي ، في : ديوان الهذليين ١ : ١٩ ، والمفضليات ٤٢٤ ، وفيها : فوق النظم ، بدل : فوق النجم ، والكتاب ١ : ٤١٣ ، وابن يعيش ١ : ٤١ ، واللسان (ضرب) ١ : ٥٤٨ ، وفيه : خلف النجم ، والخزانة ١ : ٤١٨ ، ٤٢١ ، والتاج (ضرب) ٣ : ٢٤٦.
وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ٣٤٤.
الضرباء : جمع ضريب : الذي يضرب بالقداح. التاج (ضرب) ٣ : ٢٤٦.