أعني : إعمال المعنى في الظرف ، تقدم الظرف ، أو تأخر ، في غير موضع من كتبك ، حتى بلغ الأمر منك ، رحمك الله ، إلى أنك قلت في قوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(١) : أن ما قبل (إلا) وهو : اتبعك ، يعمل في : (بادي الرأي) ، لأنه ظرف ، ولو كان غير ذلك ، من سائر الأسماء ، لم يجز ، ثم ناقضت هذا ، فوصلت إلى موضع آخر ، ولم تجز إعمال ما قبل (إلا) فيما بعده ، وإن كان ظرفا. والحرب قد تكون سجالا (٢) ، فلا كلّ ذاك على أبي إسحاق ، فربما يكون عليك. وإذا حاججت غيرك [٤٤ / أ] ب (كلا يومي طوالة) حاجك من بعدك ، غيرك ، بقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). فكيف تزعم أن : (ليس) : حرف ، وحين كان يقرأ عليك الكتاب ، أو كنت تقرؤه ، فبلغت إلى قوله : (وتقول : زيدا لست مثله). أمرت غيرك إلحاق قولك بالحاشية : هذا يدل على أنّ (ليس) : فعل (٣) ، لأنه صار كقولك : زيدا ضربت أخاه! فثبت أنّ (ليس) : فعل يدل على نفي الحال ، وألزم عينه الإسكان.
[فإن قلت] : فإذا كان لنفي الحال ، فالحال ، إنما يدل عليه قولك : يفعل ، فلم عبر عن الحال ، بلفظ الماضي؟. [قلت] : إن لفظ الماضي ، أخف من (يفعل). وهذا فعل لا تجيء منه إلا هذه الصيغة ، لأنه لا يدل إلا على الحال. فاختاروا من الأفعال أخف الصيغ ، لأنه لا يشتبه ، ولا يلتبس بشيء. فقولنا ، ليس : فعل. ولا يكون حرفا. وإن لم يكن متصرفا ، فهو بمنزلة : عسى ، لأن عسى : فعل ، ولا يتصرف ، فكذا هذا. ومعنى قوله : مما يكون فيه دلالة ، على الزمان ، يعني به : عسى ، وكاد ، وكرب ، وأوشك ، ونعم ، وبئس. لأن هذه أفعال تدل على الزمان ، وتدخل على المبتدأ ، والخبر ، سوى : نعم ، وبئس ، إلا أنها تلزم طريقة واحدة. ولعسى ، وكاد ، وأخواته ، باب سيذكر فيه. ثم ذكر من بعد ذلك ، أنه إذا اجتمع معرفة ونكرة ، فالمعرفة اسم كان ، والنكرة خبره.
كقولك : كان زيد قائما. وإذا اجتمع معرفتان ، قال : فأنت مخير ، إن شئت قلت : كان زيد أخاك ، وإن شئت قلت : كان أخوك زيدا. والحقيقة في هذا ، أن اسم كان في الأصل ، مبتدأ ، وإنما يبتدأ باسم ، كان المتكلم في معرفته ، والمخاطب سيين ، وإنما يذكر المبتدأ ، ليبنى عليه الخبر الذي يستفيده المخاطب من المتكلم. فالإخبار عن المبتدأ ، إنما يكون بشيء لم يعرفه المخاطب ، والمتكلم يعرفه. فأنت إذا قلت : زيد أخوك. إن ذكرته لمن يعرف زيدا ، ولا يعرف أنه أخوه ، فلا بد ، وأن تقول : زيد أخوك. وإن عرف الأخ ، ولم يعرف أن اسمه زيد ، قلت : أخوك زيد. فالكلام يعقد للفائدة. [٤١ / ب] : فذكر الخبر ، إنما يكون ليستفيد المخاطب. فإذا لم يستفد المخاطب ، لم يجز. ولهذا المعنى ، قالوا ، لو قلت : أحق الناس بمال أبيه ابنه ، أو أحق الناس بمال ابنه أبوه ، لم يجز هاتان المسألتان ، لأنك ، بذكرك ابنه في الأولى ، وبذكرك أباه في الثانية ، لم تفد شيئا ، لم يتضمنه
__________________
(١) ١١ : سورة هود ٢٧.
(٢) السجل : الدلو. والمساجلة أن يستقي ساقيان ، فيخرج كل واحد منهما في سجله مثل ما يخرج الآخر ، فأيهما نكل فقد غلب. فضربته العرب مثلا للمفاخرة ، ومنه : (الحرب سجال) اللسان (سجل) ١١ : ٣٢٦.
(٣) المقتصد ١ : ٤٠٧ ، ٤٠٨.