بعد قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا)(١) ، فيمن قدّر : أجر من أحسن عملا منهم ، دون من قدّر وضع الظاهر موضع المضمر ، نحو : [قول الشاعر] :
١٧٠ ـ لعمرك ، ما معن بتارك حقّه |
|
ولا منسئ معن ، ولا متيسّر (٢) |
لم يستحسن سيبويه (٣) : ولا منسئ ، عطفا على تارك. ولا يرى وضع معن ثانيا موضع الضمير ، ليحسن العطف عليه ، خلافا لأبي الحسن (٤).
باب ظرف الزمان
[قال أبو الفتح] : اعلم أن الزمان : مرور [٦٧ / ب] الليل. والنهار ، نحو اليوم ، والليلة ، والساعة ، والشهر ، والسنة ، والدهر. [قال الشاعر] :
١٧١ ـ هل الدّهر إلّا ليلة ، ونهارها |
|
وإلّا طلوع الشّمس ، ثمّ غيارها (٥) |
وجميع أسماء الزمان ، من المبهم ، والمختص : يجوز أن يكون ظرفا. تقول في المبهم : صمت يوما ، وسرت شهرا ، وأقمت عندك حولا. وفي المختص : صمت الشهر الذي تعرف ، وزرتك صفرا ، ولقيتك يوم الجمعة. فإن قلت : يوم الجمعة مبارك ، رفعته. لأنه ، ليس فيه معنى (في). فقس عليه.
[قلت] : ذكرنا أنّ الظرف ، إنما يكون ظرفا ، إذا كان متضمنا لمعنى (في). وينقسم قسمين : أحدهما : أن يكون العمل في بعضه. والآخر : أن يكون العمل في كله. فالأول ، قولك : كلّمتك يوم الجمعة. وزرتك يوم السبت. فالعمل ، هاهنا ، في بعض النهار ، لا في كله. والثاني ، قولك : صمت اليوم. فالصيام ، إنما هو في جميع النهار ، لا في جزء دون جزء. ومما يكون العمل في بعضه ، دون كله ، قول الرجل لامرأته : أنت طالق في غد ، ونوى آخر النهار ، كانت طالقا في آخر النهار ، دون أوله. لأنه أراد بقوله ما هو ملائم له ، وموافق ، ولا سيما قد جاء ب (في).
وظاهر (في) [تحقيق](٦) العمل في البعض دون الكل ، وإن كان يحتمل الكل.
ألا ترى أنك تقول : زيد في الدار ، والماء في الإناء ، وليس زيد شاغلا لجميع الدار ، ولا الماء شاغلا لجميع الإناء ، فالظاهر هذا. ومن ادعى خلاف ذلك ، فهو مخالف للظاهر. فأما إذا لم يذكر (في) وقال : أنت طالق غدا ، فإنه يكون العمل في كله. لأنه ، لما لم يستعمل لفظة (في) ، كان
__________________
(١) ١٨ : سورة الكهف ٣٠.
(٢) البيت من الطويل ، للفرزدق ، في : ديوانه ١ : ٢٤٥ ، والكتاب ١ : ٦٣ ، والتحصيل ٨٢ ، وذيل الأمالي ٧٣ ، وشفاء العليل ١ : ٣٣٦ ، والخزانة ١ : ٣٧٥ ، ٣٧٩ ، ٤ : ١٤٢.
وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ : ١٣٠.
(٣) الكتاب ١ : ٦٢ ، إذ يقول : (ألا ترى أنك لو قلت : ما زيد منطلقا أبو زيد ، لم يكن كقولك : ما زيد منطلقا أبوه ... لأنك قد استغنيت عن إظهاره ، وإنما ينبغي لك أن تضمره).
(٤) الكتاب ١ : ٦٥ هامش (٣).
(٥) البيت من الطويل ، لأبي ذؤيب الهذلي ، في : ديوان الهذليين ١ : ٧٠ ، ومقاييس اللغة (غور) ٤ : ٤٠١ ، واللسان (غور) ٥ : ٣٥ ، والتاج (غور) ١٣ : ٢٧٢.
(٦) الأصل غير واضح.