وأجمعوا على أن المراد بطعام الذين أوتوا الكتاب ، ذبائحهم خاصة.» (٣٥). وقال ابن حيان في تفسيره «البحر» (٣٦) ما نصه : «طعامهم هنا هي الذبائح كذا قال معظم أهل التفسير ، قالوا لأن ما كان من نوع البر والخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى ذكاة ، لا يختلف في حلها باختلاف حال أحد ، لأنها لا تحرم بوجه سواء كان المباشر لها كتابيا أو مجوسيا ، أم غير ذلك ، وأنها لا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة ، ولأن ما قبل هذا في بيان الصيد والذبائح. فحمل هذه الآية على الذبائح أولى إلى أن قال :
«وإذا حملنا الطعام على ما قاله الجمهور من الذبائح ، فقد اختلفوا فيما هو حرام عليهم ، أيحل لنا أو يحرم؟ فذهب الجمهور إلى أن تذكية الذمي مؤثرة في كل الذبيحة ، ما حرم عليهم منها ، وما حل فيجوز لنا أكله كالشحوم المحضة. وهذا هو الظاهر لقوله : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ»)(٣٧) وهذا المحرم عليهم ليس من طعامهم ، وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك» إلى أن قال أيضا : «وذهب الجمهور ، ابن عباس والحسن وعكرمة وابن المسيب والشعبي وعطاء وابن شهاب والحكم وقتادة وحماد ومالك وأبو حنيفة وأصحابه أن لا فرق بين بني إسرائيل والنصارى ، ومن تهود أو تنصر من العرب أو العجم في حل أكل ذبيحتهم» (٣٨).
وحاصل فقه المسألة في مشهور مذهب الإمام مالك هو ما لخصه الإمام ابن جزي في قوانينه ، فقال ما نصه : «فأما أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، رجالهم ونسائهم ، فتجوز ذبائحهم على الجملة اتفاقا ، واختلف منها في فروع ، وهي إن كان الكتابي عربيا ، جازت ذبيحته عند الجمهور ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، وإن
__________________
(٣٥) تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل ج ٢ ص ١٤ دار الفكر ١٩٧٩.
(٣٦) يقصد كتاب «البحر المحيط» أو التفسير الكبير لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي المتوفى بالقاهرة سنة ٧٥٤ ه مكتبة مطابع النصر الحديثة ، المملكة العربية السعودية ، أنظر ترجمته في ، طبقات الشافعية الكبرى ، ج ٦ ص ٣١.
(٣٧) سورة المائدة ، الآية ٥.
(٣٨) البحر المحيط. ابن حيان ، ج ٣ ص ٤٣١ ، ط ١ مطبعة السعادة ١٣٢٨.