الأحكام الشهيرة ، المشحونة بها الكتب الفقهية ، لكن حيث عنيتني بالخطاب لم يسعني ترك الجواب ، والله الموفق للصواب ، فأقول : أما المسألة الأولى وهي هل يحل لنا أكل ذبائح النصارى ، أم لا؟ فالجواب فيها ، أنه يحل لنا أكل ذبائحهم ، لقوله تعالى ، (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ)(٣٣) ، قال البغوي في تفسيره ما نصه : «يريد ذبائح اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، حلال لكم ، فأما من دخل في دينهم بعد مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلا تحل ذبيحته ، ولو ذبح يهودي أو نصراني على اسم غير الله ، كالنصراني يذبح باسم المسيح ، فاختلفوا فيه ، قال ابن عمر لا يحل ، وهو قول ربيعة ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحل ، وهو قول الشعبي وعطاء والزهري ومكحول ، سئل الشعبي ، وعطاء عن النصراني يذبح باسم المسيح ، قالا : يحل ، فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم ، وهو يعلم ما يقولون ، وقال الحسن : إذا ذبح اليهودي او النصراني ، فذكر اسم غير الله ، وأنت تسمع ، فلا تأكله ، فإذا غاب عنك فكل ، فقد أحل الله لك» (٣٤). وقال الخازن في تفسيره ما نصه : «يعني ، وذبائح أهل الكتاب حل ، وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأما من دخل ف دينهم بعد مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهم متنصروا العرب من بني تغلب ، فلا تحل ذبيحته روي عن علي بن أبي طالب ، قال : لا تأكل من ذبائح نصارى العرب بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر ، وبه قال ابن مسعود ، ومذهب الشافعي أن من دخل في دين أهل الكتاب ، بعد نزول القرآن ، فإنه لا تحل ذبيحته ، وسئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب ، فقال : لا بأس به. ثم قرأ : ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، وهذا قول الحسن وعطاء وابن أبي رباح والشعبي وعكرمة وقتادة والزهري والحكم وحماد ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، والرواية الأخرى ، مثل هذا مذهب الشافعي ، وأجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ، ومن لا كتاب لهم ،
__________________
(٣٣) سورة المائدة ، الآية ٥.
(٣٤) تفسير البغوي المعروف بمعالم التنزيل ص ١٤ ـ ١٥ ـ ج ٢ دار الفكر ١٣٩٩ ه ١٩٧٩ م.