والرّعايا فهم ودائع الله عند من استحفظ أمورهم ، وعياله الّذين يتعيّن على ولاة الأمر أن يشرحوا بالرّعاية صدورهم ، وتأكيد الوصايا بتخفيف الوطأة عنهم ، والأمر بالعدل والإحسان على الصغير والكبير منهم ؛ وقد خصّك الله بالكمال ، وحبّب إليك الإحسان والإجمال ، بغايات تنتج لك من أبواب المصالح ما لا تحيط به الوصايا ، ويشترك في عائدة نفعه الخواصّ والأجناد والرعايا. وقدرك يجلّ أن نكثر لك بالقول ما نبتدع أضعافه بأفعالك المستحسنة ، ومحلّك مرتفع عن التنبيه إذ لا تلمّ بعين رعايتك إغفاءة ولا سنة.
والله سبحانه يؤيّد الدولة العلويّة بعزماتك الثاقبة ، ويعيد عليها حقوقها بسيوفك القاضبة وآرائك الصائبة ، ويجعل أمد عمرك مديدا ، وإقبالك في كلّ وقت جديدا ، وأعمالك مرتضاة عند الله متقبّلة ، ووفود المنا إلى جنابك متوالية مقبلة ، فاعمل به إن شاء الله تعالى.
وكتب أمير المؤمنين الفائز على طرّة السجل بخطّه ما نصه : «لوزيرنا السيّد الأجلّ الملك الصالح من جلالة القدر ، وعظم الأمر وفخامة الشأن ، وعلوّ المكان ، واستحباب الفضل واستحقاق غاية المنّ الجزيل ، ومزية الوليّ الذي بعثه على بذل النفس في نصرتنا ، ودعاه دون الخلائق إلى القيام بحقّ متابعتنا وطاعتنا ، ما يبعثنا على التبرّع له ببذل كلّ مصون ، والابتداء من ذاتنا بالاقتراح له كلّ شيء يسرّ النفوس وقرّ العيون.والّذي تضمّنه هذا السجلّ من تقريظه وأوصافه ، فالذي تشتمل عليه ضمائرنا أضعاف أضعافه ؛ وكذلك شرّفناه بجميع التّدبير والإنالة ، ورفعناه إلى أعلى رتب الاصطفاء بما جعلناه له من الكفالة ، والله تعالى يعضد به دولتنا ، ويحوط به حوزتنا ، ويمدّه بموادّ التوفيق والتأييد ، ويجعل أيّامه في وزارتنا ممنوحة بآيات الاستمرار والتأييد ، إن شاء الله تعالى.
قلت : كانت الوزارة قديما تعدل السلطنة الآن ، فإنّ الوزير كان نائب الخليفة في بلده ، يفوّض إليه جميع أمور المملكة ، وتولية من رآه من القضاة ونوّاب البلاد وتجهيز العساكر والجيوش وتفرقة الأرزاق ، إلى غير ذلك ممّا هو الآن وظيفة السلطان وكان الوزير يلقّب بألقاب السلطنة الآن كالملك الصالح ونحوه ، وقد تقهقر أمر الوزير حتّى قال بعض وزراء القرن السابع : الوزير الآن عبارة عن «حوش كاش عفش» يشتري اللحم والحطب وحوائج الطعام. والأمر كما قال.