السبب في كون أهل مصر أذلاء يحملون الضيم
قال محمد بن الربيع الجيزيّ : سمعت يحيى بن عثمان بن صالح ، يقول : قدم سعد بن أبي وقّاص في خلافة عثمان رسولا من قبل عثمان إلى أهل مصر أيّام ابن أبي (١) حذيفة ، فلقوه خارجا من الفسطاط ، ومنعوه من دخولها ، فقال لهم : فلتسمعوا ما أقول لكم ؛ فامتنعوا عليه ، فدعا عليهم أن يضربهم الله بالذلّ (٢). هذا معناه.
قلت : وسعد ممّن عرف بإجابة الدّعوة ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا له : «اللهمّ استجب له إذا دعاك».
في تذكرة الصلاح الصفديّ : كان الشيخ تاج الدين الفزاريّ يقول : إنّ الحكماء وأهل التجارب ذكروا أنّ من أقام ببغداد سنة وجد في علمه زيادة ، ومن أقام بالموصل سنة وجد في عقله زيادة ، ومن أقام بحلب سنة وجد في نفسه شحّا ، ومن أقام بدمشق سنة وجد في طباعه غلظة وفظاظة ، ومن أقام بمصر سنة وجد في أخلاقه رقّة وحسنا.
في مباهج الفكر : يروى عن كعب ، قال : لمّا خلق الله الأشياء ، قال القتل : أنا لاحق بالشام ، فقالت الفتنة : وأنا معك ، وقال الخصب أنا لاحق بمصر ، فقال الذلّ : وأنا معك ، وقال الشّقاء : أنا لاحق بالبادية ، فقالت الصّحّة : وأنا معك.
وقال محمد بن حبيب : لمّا خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق : الإيمان والحياء والنّجدة والفتنة والكبر والنّفاق والغنى والفقر والذلّ والشّقاء ، فقال الإيمان : أنا لاحق باليمن ، فقال الحياء : وأنا معك ، وقالت النجدة : أنا لاحقة بالشّام ، فقالت الفتنة : وأنا معك ، وقال الكبر : أنا لاحق بالعراق ، فقال النفاق : وأنا معك ، وقال الغنى : أنا لاحق بمصر ، فقال الذلّ : وأنا معك ، وقال الفقر : أنا لاحق بالبادية ، فقال الشقاء : وأنا معك.
وقال غيره : إنّ الله جعل البركة عشرة أجزاء ، فتسعة منها في قريش وواحد في سائر النّاس ، وجعل الكرم عشرة أجزاء ، فتسعة منها في العرب وواحد في سائر النّاس ، وجعل الغيرة عشرة أجزاء ، فتسعة منها في الأكراد وواحد في سائر النّاس ، وجعل المكر
__________________
(١) في النجوم الزاهرة : ١ / ١٢٢ : هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وثب على مصر وملكها من غير ولاية من خليفة سنة ٣٦ ه.
(٢) في المرجع السابق : ودعا عليهم لما فعلوه به.