رحمكم الله أنّ الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف ، ولا كابر عن كابر ، وقد استخرت الله تعالى وولّيت عليكم الملك المظفّر ، فمن أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى أبا القاسم ابن عمّي صلىاللهعليهوسلم. وبلغني أنّ الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شقّ العصا على المسلمين ، وفرّق كلمتهم ، وأطمع عدوّهم فيهم ، وعرّض البلاد الشامية والمصريّة إلى سبي الحريم والأولاد ، وسفك الدماء ، فتلك دماء قد صانها الله تعالى من ذلك ، وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمرّ على ذلك ، وأدافع عن حريم المسلمين وأنفسهم وأولادهم بهؤلاء الأمراء والجيش العظيم ، وأقاتله حتّى يفيء إلى أمر الله. وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافة الخروج تحت لوائي ، اللواء الشريف ، فقد أجمعت الحكام على وجوب دفعه وقتاله إن استمرّ على ذلك ، وأنا أستصحب معي الملك المظفّر ، فجهزوا أرواحكم. والسلام.
وقرىء هذا العهد على منابر الجوامع بالقاهرة ، وأمّا النّاصر فإنه سار من الكرك بمن معه في أوّل شعبان سنة ثمان وسبعمائة ، فأتى دمشق فانتظم أمره ، ثمّ توجّه إلى مصر ، فلمّا بلغ ذلك المظفّر بيبرس ، أخذ جميع ما في الخزائن من الأموال ، وتوجّه إلى جهة أسوان ، فدخل النّاصر إلى مصر يوم عيد الفطر ، وصعد القلعة وجلس على سرير الملك ، وحلفت له العساكر ، ثمّ وجّه إلى المظفّر من أحضره واعتقله ، ثمّ خنقه في خامس عشر شوال.
وقال العلاء الوداعي في عود الناصر إلى ملكه :
الملك الناصر قد أقبلت |
|
دولته مشرقة الشّمس |
عاد إلى كرسيّه مثل ما |
|
عاد سليمان إلى الكرسي |
وقال الصلاح الصفديّ :
تثنّى عطف مصر حين وافى |
|
قدوم النّاصر الملك الخبير |
فذلّ الجشنكير بلا لقاء |
|
وأمسى وهو ذو جأش نكير |
إذا لم تعضد الأقدار شخصا |
|
فأوّل ما يراع من النّصير |
وشرع يعاتب الناس في أمره ، فقال للخليفة : هل أنا خارجيّ وبيبرس من سلالة بني العباس؟!
وقال للقاضي علاء الدين بن عبد الظاهر ـ وكان هو الذي كتب عهد المظفّر عن الخليفة ـ : يا أسود الوجه ؛ وقال للقاضي بدر الدين بن جماعة : كيف تفتي المسلمين بقتالي؟! فقال : معاذ الله ، أن تكون الفتوى كذلك! وإنّما الفتوى على مقتضى كلام