إلى صفر سنة ستّ وتسعين ، فخلع وتسلطن حسام الدّين لاجين المنصوريّ ، وشقّ القاهرة ، وعليه الخلعة الخليفيّة ، والأمراء بين يديه مشاة ، وجاء في تلك السنة غيث عظيم ، بعد ما كان تأخّر فقال الوادعي في ذلك :
يا أيّها العالم بشراكم |
|
بدولة المنصور ربّ الفخار |
فالله قد بارك فيها لكم |
|
فأمطر اللّيل وأضحى النّهار |
إلى أن قتل ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ، وأعيد الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكان منفيّا بالكرك ، فأحضر ، وقلّده الخليفة يوم السبت رابع جمادى الأولى ، وشقّ القاهرة وعليه خلعة الخليفة ، والجيش مشاة بين يديه ، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة ، فخرج في رمضان قاصدا للحجّ ، فاجتاز بالكرك ، فأقام بها ، ثمّ كتب كتابا إلى الدّيار المصرية ، يتضمّن عزل نفسه عن المملكة ، فأثبت ذلك على القضاة بمصر ، ثمّ نفّذ على قضاة الشام.
وأقيم في السلطنة الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوريّ ، وذلك يوم السبت الثالث والعشرين من شوّال (١) ، ولقّب الملك المظفّر ، وقلّده الخليفة ، وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدوّرة ، وركب بذلك وشقّ القاهرة ، والدّولة بين يديه والصاحب ضياء الدين النّشائيّ حامل التقليد من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود وأوّله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠].
ثم نفذ التقليد إلى الشام ، فقرىء هناك ، ثم عاد الملك الناصر من الكرك طالبا عوده إلى ملكه ، وبايعه على ذلك جماعة من الأمراء ، فبلغ ذلك المظفّر بيبرس ، فاستدعى بالشيخ زين الدين بن المرحّل وبالشيخ شمس الدين بن عدلان ، واستشارهما ، فأشارا عليه بتجديد العهد من الخليفة وتخليف الأمراء ففعل ذلك ، وكتب له عهد من الخليفة ، صورته :
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، من عبد الله وخليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبي الرّبيع سليمان العباسيّ لأمراء المسلمين وجيوشها ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]. وإنّي رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفّر ركن الدّين بيبرس نائبا عنّي لملك الديار المصرية والبلاد الشاميّة ، وأقمته مقام نفسي لدينه وكفايته وأهليّته ، ورضيته للمؤمنين ، وعزلت من كان قبله ، بعد علمي بنزوله عن الملك ، ورأيت ذلك متعيّنا عليّ ، وحكمت بذلك الحكّام الأربع. واعلموا
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٩ : ذي الحجّة.