ونوّاب الممالك ونوّاب الأمصار ، فأحسن لهم الاختيار ، وأجمل لهم الاختبار ، وتفقّد لهم الأخبار.
وأمّا ما سوى ذلك فهو داخل في حدود هذه الوصايا ، ولو لا أنّ الله تعالى أمر بالتذكير لكان ذلك سجايا المقرّ الأشرف السلطانيّ الملكيّ المنصور مكتفية بأنواره المضيئة الساطعة.
وزمام كلّ صلاح يجب أن يشغل به جميع أوقاته ، وهو تقوى الله تعالى ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] ، فليكن ذلك نصب العين ، وشغل القلب والشفتين.
وأعداء الدّين من أرمن وتتار ، فأذقهم وبال أمرهم في كلّ إيراد وإصدار ، وخذ للخلفاء العباسيين ولجميع المسلمين منهم الثار. واعلم أنّ الله ينصرك على ظلمهم وما للظالمين من أنصار.
وأمّا غيرهم من مجاوريهم من المسلمين ، فأحسن لهم باستنقاذك من العلاج ، وطبّهم باستصلاحك ، فبالطّبّ المنصوريّ والملكي ما زال يصلح المزاج ، والله الموفّق بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى.
واستمرّ قلاوون في السلطنة ، فكان له مشاهد حسنة ، وفتوحات ، فمنها طرابلس (١) وقد كانت في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة وإلى الآن. وهو الذي أحدث وظيفة كتابة السرّ ، وأحدث اللعب بالرّمح أيّام إدارة المحمل وكسوة الكعبة ، وغيّر ملابس الدولة عمّا كانوا عليه في دولة بني أيّوب.
قال الصلاح الصفدي : كان الجند يلبسون فيما تقدّم كلّوتات (٢) صفر مضرّبة بكلبندات (٣) بغير شاشات ، وشعورهم مضفورة دبابيق في أكياس حرير ملوّنة ، وفي خواصرهم موضع الحوائص بنود ملوّنة ، وأكمام أقبيتهم (٤) ضيّقة وأخفافهم (٥) برغالي ،
__________________
(١) فتحها عنوة سنة ثمان وثمانين وستمائة بعد أن نازلها أربعة وثلاثين يوما. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨].
(٢) الكلّوتة : غطاء الرأس. حواشي السلوك : ٤٩٣ ، صبح الأعشى : ٤ / ٦.
(٣) الكلبند : جزء من غطاء الرأس. [حواشي السلوك : ٤٩٤] ، وفي الخطط المقريزية : ٢ / ٩٨ : نوع من الرباط تحت الذقن لحفظ الكلوتة فوق الرأس.
(٤) كانوا يلبسون أقبية قصيرة الأكمام. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢١٧].
(٥) ومن زيّهم لبس المهماز على الأخفاف. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢١٧].