يزيدها مرّ الليالي جدّة يعقبها حسن شباب ، ولا ينتهي عن الأعوام والأحقاب ، ونعم تنتهي إلى ما نصبه الله تعالى للإرشاد ، ومن سنّة وكتاب ؛ وذلك من شرع الله ، أقامه للهداية علما ، وجعله إلى اختيار الثواب سلّما.
فالواجب أن يعمل بجزئيّات أمره وكلّياته ، وألّا يخرج أحد عن مقدّماته.
والعدل ، فهو الغرس المثمر ، والسحاب الممطر ، والروض المزهر ، وبه تنزل البركات ، وتخلف الهبات ، وتربو الصدقات ، وبه عمارة الأرض ، وبه تؤدّى السنّة والفرض ؛ فمن زرع العدل اجتنى الخير ، ومن أحسن كفي الضّرر والضّير.
والظلم ، فعاقبته وخيمة ، وما يطول عمر الملك إلا بالمعدلة الرحيمة.
والرعيّة ، هم الوديعة عند أولي الأمر ، فلا يختصّ منهم زيد دون عمر.
والأخوال ، فهي ذخائر العاقبة والمآل ، فالواجب أن تؤخذ بحقّها ، وتنفق في مستحقّها.
والجهاد برّا بحرا ، فمن كنانة (١) الله أن يفوّق سهامه ، وتؤرّخ أيّامه ، وينتضى حسامه ، وتجرى منشآته في البحر كالأعلام وتنشر أعلامه ، وفي عقر دار الحرب يحطّ ركابه ، ويخطّ كتابه ، وترسل أرسانه ، وتجوس خلالها فرسانه ، فيلزم منه دنيا ديدنا (٢) ، ويستصحب منه فعلا حسنا.
وجيوش الإسلام وكماته ، وأمراؤه وحماته ، فمنهم من قد علمت قدم هجرته ، وعظم نصرته ، وشدة بأسه ، وقوّة مراسه. وما منهم إلا من شهد الفتوحات والحروب ، وأحسن في المحاماة عن الدين الدؤوب ، وهم بقايا الدّول ، وسجايا الملوك الأول ، ولا سيّما أولي السعي الناجح ، والرأي الراجح ، ومن له نسبة صالحيّة ؛ فإذا فخروا بها قيل لهم : نعم السلف الصالح! فأوسعهم برّا ، وكن بهم برّا ، فهم ممّا يجب من خدمتك أعلم ، وأنت بما يجب من حقّهم أدرى.
والحصون والثغور ، فهي ذخائر الشدة ، وخزائن العديد والعدّة ، ومقاعد القتال ، وكنائن الرّجا والرجال ؛ فأحسن لها التحصين ، وفوّض أمرها إلى كلّ قويّ أمين ، وإلى كل ذي دين متين ، وإلى كلّ ذي عقل رصين.
__________________
(١) الكنانة : جعبة السهام.
(٢) الديدن : الدأب والعادة.