بخير سيف مشحوذ ماضي العزائم ، ومازج بين طاعتهما في القلوب وذكرهما في اللسان ؛ وكيف لا والمنصور هو الحاكم. وأخرج لحياطة الأمّة المحمّدية ملكا تنقسم البركات من يمينه ، وتقسم السعادات بنور جبينه ، ويقهر الأعداء بفتكاته ، وتمهر عقائل العقائل بصفر راياته ؛ ذي السّعد الّذي ما زال سعده يشفّ حتّى ظهر ، ومفخره يرفّ إلى أن بهر ، وجوهره ينتقل من جيد إلى جيد حتّى يملأ الجبين ، وسرّه يكمن في كلّ قلب حتّى علم العلم اليقين.
والحمد لله الّذي جعل بنا تمكينه في الأرض بعد حين ، فاختاره الله على علم ، واصطفاه من بين عباده بما جبله الله عليه من كرم وشجاعة وحلم ، وأتى الله به الأمّة المحمّدية في وقت الاحتياج غوثا ، وفي إبّان الاستمطار غيثا ، وفي حين عبث الأشبال في غير وقت الافتراش ليثا ، فوجب على كلّ من له في أعناق الأمّة المحمديّة بيعة الرضوان ، وعند إيمانهم مصافحة الأيمان ، ومن حيث وجبت البيعة باستحقاقه لميراث منصب النبوّة ، ومن تصحّ به كلّ رسمية شرعية يؤخذ كتابها قوّة ، ومن هو خليفة الزمان والعصر ، ومن بدعواته تنزل عليكم معاشر كماة المسلمين ملائكة النصر ، ومن نسبه بنسب نبيّكم صلىاللهعليهوسلم منتسج ، وحسبه بحسبه ممتزج ـ أن يفوّض له ما فوّض الله إليه من أمر الخلق ، ليقوم عنه بفرض الجهاد والعمل بالحقّ ، وأن يولّيه ولاية شرعيّة تصحّ بها الأحكام ، وتنضبط أمور الإسلام ، وتأتي هذه العصبة الإسلامية يوم تأتي كلّ أمّة بإمامها من طاعة خليفتها بخير إمام. وخرج أمر مولانا أمير المؤمنين شرّفه الله أن يكون المقرّ العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ المنصوريّ أجلّه الله ونصره ، وأظفره وأقدره وأيّده وأبّده ، كلّما فوّضه مولانا أمير المؤمنين من حكم في الوجود ، وفي التّهائم والنجود ، وفي الجيوش والجنود ، وفي الخزائن والمدائن ، وفي الظّواهر والبواطن ، وفيما فتحه الله تعالى وفيما سيفتحه ، وفيما فسد بالكفر والرّجا من الله أن سيصلحه ، وفي كلّ جود ومنّ وكلّ عطاء ، وفي كلّ تعاهد ونبذ ، وفي كلّ عطاء وأخذ ، وفي كلّ عزل وتولية ، وفي كلّ تسليم وتخلية وفي كلّ إرفاق وإنفاق ، وفي كلّ إنعام وإطلاق ، وفي كلّ استرقاق وإعتاق ، وفي كلّ تقليل وتكثير ، وفي كلّ تأثيل (١) وتأثير ، وفي كلّ تقليد وتفويض ، وفي كلّ تجديد وتعويض ، وفي كلّ حمد وتقريض (٢) ، ولاية تامّة محكمة ، منضّدة منظّمة ، لا يعقبهما نسخ من بين يديها ولا من خلفها ، ولا يعتريها فسخ يطرأ عليها ،
__________________
(١) التأثيل : التأصيل والتعظيم.
(٢) التقريض : الذمّ ، وتأتي بمعنى المدح أيضا (من المتضدات).