جزء الشيء لا يعمل في الشيء ، وما من قبيل غير المختص ، ولها شبهان أحدهما هذا وهو عام فيما لا يعمل من الحروف وراعاه بنو تميم فلم يعملوها ، والثاني خاص وهو شبهها بليس في كونها للنفي وداخلة على المبتدأ والخبر ، وتخلص المحتمل للحال كما أن ليس كذلك ، وراعى هذا الشبه أهل الحجاز فأعملوها عملها فرفعوا بها المبتدأ اسما لها ونصبوا به الخبر خبرا لها ، قال تعالى : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] ، (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢] ، هذا مذهب البصريين.
وزعم الكوفيون أن ما لا تعمل شيئا في لغة الحجازيين ، وأن المرفوع بعدها باق على ما كان قبل دخولها ، والمنصوب على إسقاط الباء ؛ لأن العرب لا تكاد تنطق بها إلا بالباء ، فإن حذفوها عوضوا منها النصب كما هو المعهود عند حذف حرف الجر ، وليفرقوا بين الخبر المقدر فيه الباء وغيره ، ورد بكثير من الحروف الجارة حذفت ولم ينصب ما بعدها ، وعلى الأول لإعمالها عمل ليس شروط أحدها بقاء النفي ، فإن انتقض بإلا بطل العمل نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] ، وكذا إذا أبدل من الخبر بدل مصحوب بإلا نحو : ما زيد شيء إلا شيء لا يعبأ به ؛ لاتحاد حكم البدل والمبدل منه ، وخالف قوم في هذا الشرط فيجوز يونس والشلوبين النصب مع إلا مطلقا ؛ لوروده في قوله :
٤١٨ ـ وما الدّهر إلّا مجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا |
وقوله :
٤١٩ ـ وما حقّ الذي يعثو نهارا |
|
ويسرق ليله إلّا نكالا |
وأجيب بأنه نصب على المصدر ، أي : ينكل نكالا ، ويعذب معذبا ، أي : تعذيبا ، ويدور دوران منجنون ، أي : دولاب.
وقال قوم : يجوز النصب إن كان الخبر هو الاسم في المعنى نحو : ما زيد إلا أخاك ،
__________________
٤١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لأحد بني سعد في شرح شواهد المغني ص ٢١٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٧٦ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧١ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، والخزانة ٤ / ١٣٠ ، ٩ / ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ورصف المباني ص ٣١١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢١ ، ١ / ٢٣٨ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٧٥ ، ومغني اللبيب ص ٧٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨.
٤١٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لمغلس بن لقيط في تخليص الشواهد ص ٢٨٢ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٤٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٤١.