مع حروف الفم من الأنف والمتحركة مخرجها من الفم ، فلو كانت الحركة بعد الحرف لوجب أن تكون النون المتحركة أيضا من الأنف ، واختاره أيضا أبو حيان وأبو البقاء في «اللباب» ، وعلله بأن الحرف يوصف بأنه متحرك ، كما يوصف بالشدة والجهر فهي صفة ، والصفة لا تتقدم الموصوف ولا تتأخر عنه ، وبأن حروف العلة تنقلب إلى غيرها ؛ لتحركها فلو كانت بعدها لم تقلب.
والثالث : وهو أضعفها أنها قبله ، قال ابن جني : ويؤيده إجماع النحاة على أن الفاء في يعد وبابه إنما حذفت ؛ لوقوعها بين ياء وكسرة في يوعد لو خرج على أصله ، فقولهم : بين ياء وكسرة يدل على أن الحركة عندهم قبل حرفها المتحرك بها ، قال : ويبطله إجماعهم على أن الألف لا تقع إلا بعد فتحة ك : ضارب مثلا فلو كانت الحركة قبل حرفها لكانت الألف بعد ضاد لا بعد فتحه ، قال الفارسي : وسبب الخلاف لطف الأمر وغموض الحال.
تقسيم الحركات :
(ص) وهي إعراب وبناء وحكاية وإتباع ونقل وتخلص من سكونين ، قيل : وحركة المضاف للياء ، ورجحه أبو حيان ، وعندي ومناسبة وتعمها ، وهل حركة الإعراب أصل أو البناء أو هما؟ أقوال ، وليسا مثلين خلافا لقطرب وهو لفظي ، ولا الحرف مجتمع من حركتين على الصحيح.
(ش) الحركات سبع حركة إعراب وحركة بناء وسيأتيان ، وحركة حكاية نحو : من زيد من زيدا من زيد ، وحركة إتباع كقراءة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١] بكسر الدال ، (لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) [البقرة : ٣٤] بضم التاء ، وحركة نقل كقراءة (قَدْ أَفْلَحَ) [المؤمنون : ١] بفتح الدال ، (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ) [البقرة : ١٠٦] بفتح الميم ، وحركة تخلص من سكونين نحو : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ) [البينة : ١] ، والسابعة واستدركها أبو حيان وغيره على «التسهيل» : حركة المضاف إلى ياء المتكلم نحو : غلامي فإنها ليست عندهم إعرابا ولا بناء ، ولا هي من الحركات الستة ، وعندي أن يقال بدله : حركة مناسبة فتشملها وما يجري مجراها.
واختلف في حركات الإعراب وحركات البناء أيهما أصل؟ فقيل : حركات الإعراب ؛ لأنها لعامل ، وقيل : حركات البناء ؛ لأنها لازمة ، وقيل : هما أصلان ، قال بعضهم : وهو الصحيح ، قلت : وينبغي أن يكون الخلاف مبنيا على أن الإعراب أصل في الأسماء فقط أو فيها وفي الأفعال أو في الأفعال فقط ، فعلى الأول يكونان أصلين كما أن الإعراب والبناء