ومن كلمة فرعون «ذروني» يتضح أنّ خلافا تفشّى في بيته حول تحديد الموقف المناسب من النبي (ع) ، ولعلّه كان من رأي جماعة منهم بالاستماع الى دعوته ومقارعة الحجة بالحجة وكان يمنع هذا الرأي فرعون من قتله ، وحيث يعلم هو بخطئه وقصوره عن مواجهة موسى ورسالته بهذا الأسلوب حاول تجاوز هذا الرأي وإقناع أصحابه بقبول خطته القاضية بتصفية موسى (ع) تصفية جسدية ، وطالما يتكرّر وبصورة مستمرة في الثورات أنّ مفجّرها يثير الخلاف في صفوف الطاغوت وقراراتهم تجاه الثورة.
ولأنّ فرعون تبنّى قرار التصفية الجسدية أراد إقناع المخالفين له بصحة رأيه ، وذلك بتبرير أنّ موسى (ع) لم يكتف بقوة المنطق وحسب وإنّما تسلح أيضا بمنطق القوة. اذن مواجهته بهذا الأسلوب أمر موضوعي في رأي الطاغوت.
(وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)
الذي تحدّانا به كثيرا ، وهذا منطق كلّ الطغاة ، إنّه لو كان الثائرون على الحق إذن لكانوا أقوياء ولانتصروا لأنفسهم فعلا! إلّا أنّ خلط القوة بالحق ، وجعل القوّة الظاهرية الآنية مقياسا لمعرفة الحق من الباطل خطأ كبير يقع فيه الطغاة ، لأنّ الحق والقانون لا يتحدّد بالقوة والإرهاب ، فقد يكون الحق ضعيفا لعوامل خارجة عن إرادة أصحابه ، وقد يكون الباطل قويّا ولكن هذا لا يبدّل الباطل حقّا والحقّ باطلا أبدا ، وفي ما يلي من الآيات نجد المزيد من البيان في خطأ هذه الفكرة التي يعتمدها الطغاة في تضليل الناس لأنّ هذه الفكرة من الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الفاسدة وتعطيها صبغة الإرهاب والقمع ، الذي يسعى الطغاة لتبريره بشتّى الحجج ، فهذا فرعون يحاول تبرير قراره الإرهابي وتهيئة المعارضين له لقبوله.
(إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ)