وكان بعضهم يزعم أنّ السجود للشمس والقمر وللأصنام التي تنحت كرمز لهما ولغيرهما من مظاهر القوة والجمال في الخلق يعتبر عبادة لله أو ليس كلّ أولئك من خلق الله ، ومن مظاهر قوّته وجماله؟ فنهرهم الربّ بأنّ عبادة الله لا تتمّ إلّا بالسجود له وحده ، فإن كانوا يريدون الله فليعبدوه وحده ، ذلك أنّ السجود للشمس وللقمر ولكلّ مظهر من مظاهر القدرة والجمال يبهر البشر وبالتالي الاستسلام للسلطة والثروة ، وما إليهما من زينة الحياة الدنيا. كلّ ذلك أصل الفساد في حياة الإنسان ، وإنّ من عبادة الله تحصين البشر من هذا الفساد الكبير.
وبعضهم أخذ يفلسف هذا الفساد ، ويزعم أنّ آيات الله هي عين ذاته ، وأنّ الوجود والموجود واحد ، وأنّ الخالق والمخلوق واحد ، وأنّ الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق.
كلّا .. لا تعايش عند الله بين عبادة الله والسجود للشمس والقمر ، فمن سجد لهما خرج عن إطار عبادة الله.
[٣٨] ولكن لماذا يترك الإنسان عبادة الله إلى عبادة مخلوقاته؟
لأنّ في عبادة الخالق استشعار الذلّة والصغار ، والتحسّس بالمخلوقية والعبودية ، وبالتالي الالتزام برسالات الله وما فيها من قيم وشرائع ، واتقاء شحّ النفس ، ومخالفة أهوائها ، والتحلّق في سماء العقل ، والعبور من واقع الشهود الى حقائق الغيب ، وما إلى ذلك من الكمال الرفيع الذي يستصعب على البشر فتراه يتكبر ، فكيف يشافي المنهج القرآني حالة الاستكبار؟ بتذكير البشر بأنّ الملائكة وهم أفضل منه ، وأقرب الى ربّهم ، وأعظم قوّة وسلطانا ، يتعبّدون الله وحده ، ويقدّسونه من الشركاء الموهومين ، وأنّ المقرّبين من عباد الله الصالحين الذين يحظون بقرب الله يسبّحونه ، وأنّ طريق التعالي هو الخضوع ، وأنه لا يتسامى البشر من دون كسر حاجز