بالنتيجة عمّن يعيش في غرفة ضيقة في وسط أضخم العواصم قد حجب نفسه عن كلّ ما حوله؟ كلا .. كذلك الكافر الذي تحيط به حقائق الكون فلا يستوعبها ، ولا يعيش قلبه في أجوائها ولا تعيها بصيرة نفسه ، بل هو في ظلام جهله وجهالته ، لا يعترف بشيء غير نفسه وأهوائها ، إنّه أشدّ عمى ممّن فقد عينيه. أليس كذلك؟
وكم هو فرق بينه وبين من يعيش عوالم الخلق جميعا في ضميره ووعيه ، ويرى نفسه منها ولا بدّ أن يتناغم سلوكه وسننها ، لأنّه يؤمن بربّها العظيم ، ويعمل الصالحات التي أمر بها كما أمر سائر العوالم بمثلها.
(قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ)
[٥٩] وفي خاتمة الدرس يلخّص السياق عبرة الحقائق التي ذكّر بها أنّها الساعة حيث يتبدّل النظام القائم هنا على أساس الابتلاء ، بنظام يقوم على أساس الشهود والجزاء.
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها)
وكيف يرتاب في يوم تدلّ كلّ حقائق العالم على أنّه المنتهى ، فحكمة الله التي تتجلّى في كلّ خليقة صغيرة أو كبيرة تدلّنا بوضوح كاف على يوم الجزاء.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)
فلا تتبع سلوكهم ، وذرهم يخوضوا في لهوهم ، وأنقذ نفسك من المصير الذي ينتهون إليه بكفرهم بها.