يجعلها وسيلة لبلوغ غيرها أصيب بالعمى. أرأيت الذي ينظر الى المرآة ليعرف طولها وعرضها ، لا يمكن أن ينظر الى صورته فيها ، أو رأيت الذي يلاحظ في علامات السير طبيعة خطّها وطريقة صنعها ، لا ينتفع بإشاراتها ، كذلك عالم الطبيعة الذي يركّز نظره في خصائص المادة دون أن يجعلها معبرا إلى أسماء الله.
ومن الناس من عقد عزمه على ألّا يعرف الحقيقة ، لأنّ الحقيقة تخالف ما انطوت عليه نفسه من الكبر ، بل إنّ مجرد التسليم لها يتنافى وحالة الكبر التي في قلبه.
بلى. إنّما يجوز الجدال في آيات الله إذا كان يملك الإنسان الحجة الكافية من الله ، حينئذ يمكن تفسير آية أو تأويلها انطلاقا من تلك الحجة ، وأخذا بمبدإ النسخ في الآيات كما قال ربّنا : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) .
أمّا من لا يملك حجة وسلطانا ، فلا يجوز له إلّا التسليم.
(بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ)
ويبدو أنّ المراد منه الوحي.
(إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ)
ما هو ذا الكبر الذي لا يبلغوه؟ هل هو مطلق الكبر وحبّ الذات ، وهو النفس؟ أم أنّه أكبر من ذلك؟
يبدو لي أنّه نزعة الألوهية في النفس ، حيث يزعم الإنسان أنّه قادر على بلوغ درجة الألوهية بإمكاناته المحدودة ، وبعمره القصير .. ولعل سائر الخصال الذميمة تنبع من هذا الإحساس الخاطئ ، وبالرغم من أنّ الإنسان لن يحقّق هذه الرغبة