فافسدوه) وهذا يجري في علماء الدين ، لأن القرآن نزل كمافي الحديث على لغة :
«ايّاك أعني ، واسمعي يا جاره»
الخطاب موجه للرسول ، ولكن الذي يجب ان يسمع هم الذين يسيرون على خطّه ، ويعملون بمنهجه وهم علماء الدين ، فسرّ عظمتهم هو الرسالة التي يتحملون مسئوليتها ، فلو فكّروا أن يكتسبوا الشهرة والعظمة من مصدر آخر كالكفار ، أو السلطات الفاسدة ، أو الجماهير المنحرفة ، فإنّ ذلك يكون خرقا لسنن الله في الحياة ، ومن ثم عاملا في انحطاط منزلتهم ، وربما نهايتهم ، فليحترموا أنفسهم والعلم الذي تحملوا أمانته ، وليستقيموا ، وليتحدّوا الصّعاب ، وليتجاوزوا العقبات بالتوكل على الله ، والعمل بهدى الرسالة.
وفي الأخير تختم السورة بالتذكرة بالتوحيد ، وهو لا يعني الإيمان بالله ، وانه فاطر السموات والأرض فقط ـ فهذا أمر لا ريب فيه ـ قال تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) وقال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢) ولكن مشكلة البشر الشرك ، حيث يخلط بين القيم الإلهية السامية ، والاخرى المادية الجاهلية. الأمر الذي لا يجعله يخلص العبادة لله.
وأكثر الذين ضلّوا منذ خلق الله آدم حتى اليوم انما ضلّوا بسبب شركهم ، ومشركي العرب انما عبدوا الأصنام تصوّرا منهم بأنها تقربهم الى الله زلفى : «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى» (٣)
__________________
(١) إبراهيم / (١٠).
(٢) لقمان / (٢٥) ، الزمر / (٣٨).
(٣) الزمر / (٣٧).