(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ)
كلمتان في القرآن إحداهما تبين الوضع الطبيعي وهي القدر ، والأخرى تبين الوضع الغيبي وهي القضاء ، والفرق أن القدر هو السنن التي أجراها الله تعالى في الخلق ، بلا تبديل ولا تحويل ، أما القضاء فهو الأوامر الغيبية التي تصدر من عنده الى الخليقة فتتجاوز الأقدار جميعا ، فربما يكون قدر الإنسان ان يموت اليوم ، فيدفع صدقة لفقير ، أو يدعو الله ، أو يصل رحمه ، أو .. أو .. فيقضي الله ان يتأخر أجله ثلاثين سنة ، وقد يكون قدره العيش ثلاثين سنة ، فيظلم من لا يجد ناصرا غير الله ، فيقضي الله بوفاته اليوم ، والرّسالة الإلهية نوع من القضاء. إذ ليست ثمة سنّة إلهية لو عمل بها البشر لصار رسولا ، فتحول موسى بن عمران (ع) الى رسول ، أو محمد بن عبد الله (ص) الى رسول ما جاء بدراسة في الجامعة ، أو قراءة في الكتب ، انما الرسالة ـ وكما تقدم في الهدى ـ هي قضاء إلهي ، يحصل بموجبه الاتّصال بين الخلق والخالق ، عبر رسالة ورسول يجعله الله خليفته في الأرض جعلا ، ولا ينفي هذا القول أن الله يختار رسله وأنبياءه على أساس صفات ومميزات فيهم.
وفي لحظة القضاء قد يتحقق ما لا يمكن تحقيقه عبر قرون ، فالرسول (ص) دخل الى غار حراء أميّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ولكنه خرج منه يحمل رسالة تقصر البشر عن بلوغ ذراها أبدا.
(وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)
ولعل هذه الآية تشير الى ان الحقائق التي رويت في هذه القصة لم تكن واضحة عند أهل الكتاب أيضا ، أو كانت مثار جدل عظيم سواء في تفاصيل ما حدث أو في تفسيرها.