.................................................................................................
______________________________________________________
فليقض العجب منه إذ هذا التفصيل لم يعرف لأحد قبله وهو قريب من قول الأردبيلي ، وأعظم شيء نقله إجماع المسلمين على مذهب شاذّ نادر لم نعرف قائلاً به سواه كما ستعرف ، ولا ريب أنّه لم ينعم النظر في كلام الأصحاب أو لم يطّلع إلّا على ما ظفر به ممّا يمكن تنزيله على ما صرّحوا به ، فإنّ إطلاق عبارات المصنّف الّتي سمعتها (١) في أوّل المسألة شاملة لما إذا خرج كلّ يوم وحاكمة بإطلاقها بوجوب القصر عليه ، وستسمع كلام الشهيد عن قريب ، مضافاً إلى اضطراب كلامه في آخره ، إلّا أن يقيّد قوله : ولو عاد بقصد الخروج .. إلى آخره ، بما إذا لم يكن من قصده الخروج كلّ يوم حتّى يوافق قوله : فعلى هذا .. إلى آخره ، أو يحمل قوله : فعلى هذا ، على ما إذا كان ذاهلاً عن قصد الإقامة فتأمّل جيّداً.
والحاصل : أنّ هذا الكلام منه ساقط عن مطارح الأنظار منحطّ عن درجة الاعتبار ، فكأنّه لم يسمع كلام الشيخ وموافقيه ، لأنّه من المعلوم أنّ مَن خرج إلى عرفات يرجع إلى مكّة ثمّ إلى منى وهما دون المسافة ، وقد حكموا بأنّه يقصّر فيهما وفي مكّة إذا لم ينو عشرة ثانية ولا تتبّع كلام الشهيد ولا تأمّل في معانيه. نعم لا عليه إن ذهب إلى ذلك القول ، أمّا دعوى إجماع المسلمين وجهل كثير من الناس بمراد المصنّفين من دون تتبّع ولا نظر فمحلّ العجب ومظنّة الخطر ، وستسمع الكلام في عبارات القوم وإطلاقاتها ومتعلّقاتها عند الفراغ من القول الثاني.
ومن العجيب أيضاً ما وقع لبعض (٢) مَن تقدّم على الشهيد الثاني حيث قال لمّا وقف على كلام الشيخ وموافقيه : إنّ هذا ينافي قولهم إنّ ناوي الإقامة عشراً إذا صلّى تماماً لا يعود إلى القصر إلّا بالخروج إلى مسافة ، ثمّ أجاب عن التناقض بحمل كلامهم الّذي نحن فيه على الخروج من موضع الإقامة قبل الصلاة تماماً ليتمّ القولان.
__________________
(١) تقدّمت في ص ٥٨٥ وعبارة المختلف والمنتهى والتحرير في ص ٥٨٨.
(٢) نقله الشهيد الثاني عن بضع المتأخّرين مع جوابه ، راجع نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني : في السفر ص ١٨١.