والتقريب في هذا الخبر يتوقّف على بيان أُمور : بلوغ النخيلة قدر البريد ، وعدم بعدها بالبريدين فما زاد ، وأنّ رجوعه (عليه السلام) ليومه هو علّة التقصير.
أمّا الأوّل : فيُعلم من نفس الحديث من دون استعانة بأمر آخر للتصريح فيه بأنّه (عليه السلام) قصّر الصلاة في خروجه إلى النخيلة فلا تكون دون البريد ، إذ لا قصر فيما دونه بالإجماع لا عيناً ولا تخييراً. وظاهر الخبر أنّ غاية سفره (عليه السلام) هي النخيلة لا موضع آخر ، وقول الراوي أنّه (عليه السلام) خرج إلى النخيلة ثمّ رجع من يومه كالصريح في ذلك ، وحمله على وقوعها في الطريق إلى محلٍّ آخر قد عدل عنه في الأثناء في غاية البُعد.
وأمّا الثاني : فيدلّ عليه ما عرفت أنّ النخيلة هي معسكر الكوفة ، ومن البعيد في العادة بعد معسكر البلد عنه بالبريدين مسيرة يوم فصاعداً وإن كان مصراً عظيماً كالكوفة ، وأمّا البُعد بالبريد فليس في مثله بذلك البُعد ، وقد تضمّن الحديث رجوعه (عليه السلام) من يومه ، ولو كانت المسافة بينها وبين الكوفة مسيرة يوم لم يتأتّ الرجوع لليوم عادةً ، ولو تأتّى فلا فائدة في ذكره ، لأنّ مسيرة اليوم سفر موجب للقصر سواء حصل الرجوع أم لا. وأيضاً فإنّ الحسين بن مسعود ناقل الحديث قد روى ذلك في سياق السفر القصرَ وقَرَنه بما رواه عن جابر بن زيد من التقصير بعرفة وذكر مسير اليوم في السفر الطويل ، وهو أقلّ ما حكاه عن الفقهاء في تحديد طويل السفر ، ويلزمه عدم بلوغ النخيلة حدّ مسير اليوم.
وممّا يدلّ على ذلك ما روي (١) : أنّ معاوية لمّا شنّ الغارات على الأطراف بعث سفيان الغامدي فأغار على هيت والأنبار فنهب الأموال وقتل الرجال ، وكان فيمن قُتل صاحب المسلحة من قِبَل عليّ (عليه السلام) على الأنبار وهو أشرس بن حسان وقيل حسان ابن البكريّ ، فقدم علج من الأنبار على عليّ (عليه السلام) فأخبره الخبر ، فصعد المنبر وخطب بالناس وقال : إنّ أخاكم البكريّ قد أُصيب بالأنبار وهو مغير فاختار
__________________
(١) الغارات للثقفي : ج ٢ ص ٤٧٠ في غارة سفيان بن عوف ، بحار الأنوار : ج ٣٤ ص ٥٤.