قال الواقدي : وحدّثني عبد الله بن جعفر عن [أبي](١) عون ، قال : رأيت تاجرا قدم من جدّة ، فدخل من أسفل مكة بأحمرة تحمل قمحا ، فرأيته يبيع الصاع من الطعام بما احتكم ، ورأيت صيّادا قدم بحيتان قشير (٢) ، فباع كل حوت بدرهم.
قال الواقدي : وحدّثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : كنا مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فبلغ منّا الجهد ، فأرسلنا إلى ابن الزبير نخبره بحالنا ، وأنّ معنا نفقة لا نجد ما نبتاع / فأما أن يرسل إلينا بما نتقوى به ، وإما أن يأذن لنا في الخروج إلى بلادنا فنحمل ما نتقوى به ، فقال : الليلة أبعث إليكم ، فلما أمسينا انتظرنا ونحن في البيوت عشرون رجلا ، فإذا رسوله قد أرسله بغرارة (٣) فيها نحو من صاعين ، ويقول الرسول : يقول أمير المؤمنين : تبلّغوا بهذا إلى أن يأتيكم الله بخير ، قال : فلما رأيت ذلك ارتحلنا ، فو الله إن (٤) أصبح معه منا مخبر ، وبلغ ذلك ابن صفوان فلامه لوما شديدا.
قال الواقدي : وحدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه ، قال : كان الجوع يبلغ منا حتى ما يحمل الرجل سلاحه ، فأغدو إلى زمزم ويغدو معي أصحابي فنشرب فنجدها عصمة (٥).
__________________
(١) في الأصل (ابن وهو خطأ ، فهو : أبو عون بن أبي حازم ، مولى المسور بن مخزمة ، ووالد عبد الواحد بن أبي عون ، ذكره ابن خلفون في الثقات ، وقال : أبو زرعة : مديني لا نعرفه. الجرح ٩ / ٤١٤.
وتعجيل المنفعة ص : ٥٠٩.
(٢) كذا في الأصل ، والمذكور في معنى (قشير) : ما كان كثير القشر ، ولا معنى لها بها هنا والله أعلم.
فكأنّ اللفظة مصحفة عن (قتير) ، وهي رائحة اللحم المشوي ، ورائحة البخّور ، أو أيّة رائحة. فلعلّ الحيتان كانت منتنه ، ومع نتنها بيعت. والله أعلم.
(٣) الغرارة : بالكسر ، جمعها غرائر ، وهي الحوالق. لسان العرب ٥ / ١٨.
(٤) معناها هنا (ما).
(٥) تقدّم هذا في الأثر (١٠٨٤).