الاستقامة يجب أن تكون من حيث الكمية والكيفية والزمن والخصوصيات الأخرى مطابقة للقانون الإلهي.
وبما أن أهواء الناس تعتبر من الموانع الكبيرة في هذا الطريق ، لذا تقول الآية في ثالث أمر لها : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) ، لأن كلّ مجموعة ستدعوك إلى أهوائها ومصالحها الشخصية ، تلك الدعوة التي يكون مصيرها الفرقة والاختلاف والنفاق ، فعليك القضاء على هذه الأهواء ، وجمع الكل في ظل الدين الإلهي الواحد.
وبما أن لكل دعوة نقطة بداية ، لذا فإن نقطة البداية هي شخص الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث تقول الآية في رابع أمر لها : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ). فأنا لا أفرّق بين الكتب السماوية ، اعترف بها جميعا ، وكلها تدعو إلى التوحيد والمعارف الدينية الطاهرة والتقوى والحق والعدالة ، وفي الحقيقة فإن ديني جامع لها ومكملها.
فأنا لست مثل أهل الكتاب حيث يقوم كلّ واحد بإلغاء الآخرين ، فاليهود يلغون المسيحيين ، والمسيحيون يلغون اليهود ، وحتى أن أتباع كلّ دين أيضا يقبلون ما يتلاءم مع حاجاتهم ورغباتهم من كتبهم الدينية ، فانا أقبل بالكل لأن الكل له أصول أساسية واحدة.
وبما أن رعاية (أصل العدالة) ضروري لإيجاد الوحدة ، لذا فإن الآية تطرح ذلك في خامس أمر لها فتقول : (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ، سواء في القضاء والحكم ، أو في الحقوق الاجتماعية والقضايا الأخرى (١).
وبهذا الشكل فإنّ الآية التي نبحثها مؤلفة من خمس تعليمات مهمّة ، حيث تبدأ من أصل الدعوة ، ثمّ تطرح وسيلة انتشارها ـ يعني الاستقامة ـ ثمّ تشير إلى الموانع في الطريق «كعبادة الأهواء» ثمّ تبين نقطة البداية التي تبدأ من النفس ، وأخيرا الهدف النهائي والذي هو توسيع وتعميم العدالة.
__________________
(١) بعض المفسّرين حدّد (العدالة) هنا بالقضاء ، في حين أنّه لا توجد قرينة على هذه المحدودية في الآية.