الثّاني هو اليأس من الرحمة (١).
ولكن الذي نستفيد ، من الاستخدام القرآني أنى الاثنين يستخدمان تقريبا للدلالة على معنى واحد ، فنقرأ في قصة يوسف ـ مثلا ـ أنّ يعقوب عليهالسلام حذّر أبناءه من اليأس من رحمة الله ، في حين كانت قلوبهم يائسة من العثور على يوسف ، وكانوا أيضا يظهرون علامات اليأس. (٢).
وفي حالة إبراهيم عليهالسلام نرى أنّه عجب من البشارة التي زفتها إليه الملائكة بالولد ، لكن الملائكة قالت له : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) (٣).
الآية التالية تشير إلى صفة اخرى من صفات الإنسان الجاهل البعيد عن العمل والإيمان متمثلة بالغرور : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) (٤) أي إنّني مستحق ولائق لمثل هذه المواهب والمقام.
إنّ الإنسان المغرور ينسى أنّ البلاء كان من الممكن أن يشمله عوضا عن النعمة ، تماما كما قال قارون : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٥).
تضيف الآية بعد ذلك أنّ هذا الغرور يقود الإنسان في النهاية إلى إنكار الآخرة حيث يقول : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً). ولنفرض أنّ هناك قيامة فإنّ حالي سيكون أحسن من هذا : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى).
إنّ هذه الحالة تشابه ما استمعنا إليه في سورة الكهف من قصة الرجلين الذين كان أحدهما غنيا مغرورا ، والثّاني عارفا مؤمنا ، حيث حكت الآية على لسان الثري المغرور قوله : (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ
__________________
(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ١٨.
(٢) يوسف ، الآية ٨٧ فما فوق.
(٣) الحجر ـ ٥٥.
(٤) ذهب بعض المفسرين للقول بأن جملة «هذا لي» تعني أن هذه النعمة ستبقى دائما لي ، أي إنها في الحقيقة توضح دوام ذلك ، إلا أن التفسير الذي عرضناه أعلاه أنسب بالرغم من إمكان الجمع بين الإثنين ، أي إنهم يعتبرون أنفسهم مستحقين للنعم ، ويتصورونها دائمة لهم أيضا.
(٥) القصص ، الآية ٧٨.