الجنّ والانس ، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا انّ المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيسا للشياطين ، ولذلك انتخب جميع المفسّرين هذا التّفسير ايضا.
ونستفيد بشكل اكيد من هذه الآية انّ وساوس الشيطان لا تسلب الإنسان اختياره وحرية ارادته ، بل هي مجرّد دعوة ليس اكثر ، فالناس هم الذين يلبّون دعوته بإرادتهم ، وقد تصل الارضيّة السابقة والدوام على الخلاف بالإنسان الى حالة من سلب الاختيار في مقابل وساوسه ، كما نشاهد بعض المدمنين على المخدرات ، ولكن نعلم انّ السبب الاوّل كان هو الاختيار. يقول تعالى في الآية (١٠٠) من سورة النحل : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).
وعلى هذا فالشيطان يجيب بشكل قاطع على الذين يعتبرونه العامل الاوّل في انحرافهم وضلالهم ، وما يقوله بعض الجهلاء لتبرئتهم من ذنوبهم ، فإنّ السلطان الحقيقي على الإنسان هو ارادته وعمله ولا شيء غيره.
٢ ـ كيف استطاع الشيطان ان يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟
الجواب : هو انّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك ، وهذا في الواقع نوع من العقاب النفسي لاتباع الشيطان ، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه الدنيا ، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم ، وعلى ايّة حال فالله تعالى بطريقة ما يهيئ وسيلة الارتباط بين الشيطان واتباعه.
ومن الطّريف انّ هذه المواجهة غير منحصرة بالشيطان واتباعه ، بل انّ جميع ائمّة الضلالة في هذا العالم لهم نفس البرنامج ايضا ، يأخذون بأيدي اتباعهم (بموافقتهم طبعا) ويذهبون بهم الى أمواج العذاب والبلاء ، وحينما يرون الأوضاع سيّئة يتركونهم وشأنهم حتّى انّهم يلومونهم ويوبّخونهم في خسران