٢ ـ ثواب الإخلاص
كما أشرنا في تفسير الآيات المتقدّمة ، فإنّ القرآن المجيد عزا نجاة يوسف ـ من هذه الازمة الخطرة التي أوقعته امراة العزيز فيها ـ الى الله ، إذ قال : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ).
ولكن مع ملاحظة الجملة التي تليها : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) تتجلّى هذه الحقيقة ، وهي انّ الله سبحانه لا يترك عباده المخلصين في اللحظات المتأزّمة وحدهم .. ولا يقطع عنهم امداداته المعنويّة .. بل يحفظ عباده بألطافه الخفيّة.
وهذا الثواب في الواقع هو ما يمنحه الله جلّ جلاله لامثال هؤلاء العباد ، وهو ثواب الطهارة والتقوى والإخلاص.
وهناك مسألة جديرة بالتنويه ، وهي انّ يوسف «من عباد الله المخلصين» ومفرد الكلمة «مخلص» على وزن «مطلق» وهو اسم مفعول. ولم تأت الكلمة على وزن اسم الفاعل اي «مخلص» على وزن «محسن».
والدقّة في آيات القرآن تكشف عن انّ كلمة «مخلص» (بكسر اللام) غالبا ما تستعمل في مراحل تكامل الإنسان الاولى وفي حال بناء شخصيته ، كقوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (١).
وكقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٢).
غير انّ كلمة «مخلص» بفتح اللام استعملت في المرحلة العالية .. التي تحصل بعد مدّة مديدة من جهاد النفس ، تلك المرحلة التي ييأس الشيطان فيها من نفوذه ووسوسته داخل الإنسان ، وفي الحقيقة تكون نفس الإنسان مؤمّنا عليها من قبل الله ، يقول القرآن في هذا الصدد : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
__________________
(١) العنكبوت ، ٦٥.
(٢) البينة ، ٥.