أباك يعقوب ، وآل يعقوب .. قل لنا كيف سرقت الصاع ووضعته في رحلك؟
أجابهم بنيامين ببرود ، حيث كان عالما بالقضيّة واسرارها : انّ الذي قام بهذا العمل ووضع الصواع في رحلي ، هو نفسه الذي وضع الأموال في متاعكم في المرّة السابقة ، لكن الاخوة لم ينتبهوا ـ لهول الواقعة عليهم ـ لمغزى كلام بنيامين (١).
ثمّ يستمرّ القرآن الكريم ويبيّن كيف استطاع يوسف ان يأخذ أخاه بالخطّة التي رسمها الله له دون ان يثير في اخوته اي نوع من المقاومة والرفض (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ).
والأمر المهمّ في هذه القضيّة هو انّه لو أراد يوسف ان يعاقب أخاه بنيامين ، وطبقا للقانون المصري ـ لكان عليه ان يضرب أخاه ويودعه السجن لكن مثل هذه المعاملة كانت تخالف رغبات واهداف يوسف للاحتفاظ بأخيه ، ومن هنا وقبل القبض على بنيامين ، سأل اخوته عن عقوبة السارق عندهم ، فاعترفوا عنده بأنّ السنة المتّبعة عندهم في معاقبة السارق ان يعمل السارق عند المعتدى عليه كالعبد.
لا ريب انّ للعقوبة والجزاء طرقا عديدة منها ان يعاقب المعتدي على طبق ما يعاقب به في قومه ، وهكذا عامل يوسف أخاه بنيامين ، وتوضيحا لهذه الحالة وانّ يوسف لم يكن بإمكانه أخذ أخيه طبقا للدستور المصري يقول القرآن الكريم : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) لكن الله سبحانه وتعالى يستثني بقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وهو اشارة إلى أنّ ما فعله يوسف بأخيه لم يكن الّا بأمر منه سبحانه وتعالى وطبقا لإرادته في الاحتفاظ ببنيامين ، واستمرارا لامتحان يعقوب وأولاده.
وأخيرا يضيف القرآن الكريم ويقول : انّ الله سبحانه يرفع درجات من
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٥٣ ذيل الآية.