ان يبيّن التعبير بصراحة اكثر من هذه .. خاصّة وانّ فيه خبرا غير مريح ، لذلك جعل التعبير تحت عنوان «أحدكما».
ثمّ أضاف مؤكدا (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) وهو اشارة الى انّ هذا التعبير ليس تعبيرا ساذجا ، بل هو من انباء الغيب التي تعلّمها من الله ، فلا مجال للترديد والكلام بعد هذا.
في كثير من التفاسير ورد في ذيل الجملة المتقدّمة انّ السجين الثّاني الذي سمع بالخبر المزعج أخذ يكذّب رؤياه ويقول : كنت امزح معك ، ظانّا انّ مصيره سيتبدّل بهذا التكذيب ، فعقّب عليه يوسف بالجملة المتقدّمة!
ويحتمل ايضا انّ يوسف كان قاطعا في تعبير الرؤيا الى درجة بحيث ذكر الجملة المتقدّمة تأكيدا لما سبق بيانه.
وحين احسّ يوسف انّ السجينين سينفصلان عنه عاجلا ، ومن اجل ان يجد يوما يطلق فيه ويبرّأ من هذه التهمة ، اوصى احد السجينين الذي كان يعلم انّه سيطلق ان يذكره عند الملك (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لكن هذا الغلام «الناسي» مثله مثل الافراد قليلي الاستيعاب ، ما ان يبلغوا نعمة ما حتّى ينسوا صاحبها ، وهكذا نسي يوسف تماما ، ولكن القرآن عبّر عن ذلك بقوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) وهكذا أصبح يوسف منسيّا (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
هناك اقوال بين المفسّرين في انّ الضمير من (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) هل يعود على ساقي الملك ، ام على يوسف؟ كثير من المفسّرين يعيدون الضمير على يوسف فيكون المعنى : انّ الشيطان انسى يوسف ذكر الله فتوسّل بسواه.
ولكن مع ملاحظة الجملة السابقة التي تذكر انّ يوسف كان يوصي صاحبه ان يذكره عند ربّه ، يظهر انّ الضمير يعود على الساقي نفسه.
وكلمتا «الربّ» في المكانين بمعنى واحد.