يقال انّ ابن سيرين أصبح ذكيّا بعد هذه الحادثة ورزق موهبة عظيمة في تفسير الأحلام ، وذكروا قصصا عجيبة عنه في الكتب التي تتناول تفسير الأحلام تدل على عمق اطلاعه في هذا المجال!
فعلى هذا يمكن ان يكون يوسف عليهالسلام قد نال هذه الموهبة الخاصّة (العلم بتأويل الأحاديث) لتسلّطه على نفسه قبال اثارة امراة العزيز لهوى النفس!
ثمّ بعد هذا كله فإنّ قصور الملوك في ذلك الزمان كانت مراكز لمفسري الأحلام ، وانّ شابا ـ ذكيا كيوسف ـ كان يستطيع ان يستفيد من تجارب الآخرين ، وان يكون له استعداد روحي لافاضة العلم الالهي في هذا المجال!
وعلى كل حال فإنّه ليس مستبعدا ان يهب الله سبحانه لعباده المخلصين المنتصرين في ميادين «جهاد النفس للهوى والشّهوات» مواهب من المعارف والعلوم التي لا تقاس بأيّ معيار مادي ، ويمكن ان يكون الحديث المعروف «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء» اشارة الى هذه الحقيقة.
هذا العلم ليس ممّا يقرا عند الأستاذ ، ولا يعطى لايّ كان وبدون حساب ... بل هو جائزة من الجوائز التي تمنح للمتسابقين في ميادين جهاد النفس!
٣ ـ المراد من قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ)
قلنا ان (اشدّ) معناه الاستحكام الجسماني والروحاني ، وبلوغ الرشد معناه الوصول الى هذه المرحلة ، ولكن هذا العنوان قد عبّر عنه القرآن الكريم في مراحل مختلفة من عمر الإنسان.
فتارة أطلقه على سنّ البلوغ كقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (١).
وتارة يرد هذا المعنى في وصول الإنسان الى أربعين سنة ، كقوله تعالى :
__________________
(١) سورة الاسراء ، الآية ٣٤.