فيه رضا الله سبحانه ، كما أنّه عاهدهم على العمل فيهم بأحكام الدين من كتاب الله وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والأمّة هو معنى البيعة تشبيهاً له بفعل البائع والمشتري ، فإنّهما كانا يتصافحان بالأيدي عند إجراء عقد البيع.
فمن هذه البيعة تكون قوّة الخليفة الحقيقيّة ، وكانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتّمه الشريعة.
وقد سنّ أبو بكر رضى الله عنه طريقةً أخرى في انتخاب الخليفة ، وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور على السمع والطاعة ، وقد وافق الجمهور الإسلامي على هذه الطريقة ، ورأى أنّ هذا ممّا تجب الطاعة فيه وذلك العمل هو ولاية العهد. انتهى.
فمن هنا يتجلّى أنّ تاريخ ولادة هذه المرويّات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة لمن تقمّصها ، ولذلك لم ينبس أحد منهم يوم السقيفة ولا بعده بشيء من ذلك على ما احتدم هنالك من الحوار والتنازع والحجاج ، وليس ببدع أن لا يعرفها أحد قبل ولادتها ؛ وإنّما العجب من أنّ البحّاثة وعلماء الكلام من بعد ذلك التاريخ ـ إلاّ الشذّاذ منهم ـ لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهداً في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم ، وما ذلك إلاّ لأنّهم لم يعرفوا تلكم المواليد المزوّرة ، نعم يوجد من المؤلّفين من يذكرها في مقام سرد الفضائل تمويهاً على الحقّ.
وهناك أحاديث جمّة صحيحة ـ عند القوم ـ تضادّها وتكذّبها ، مثل :
١ ـ ما صحّ عن أبي بكر أنّه قال في مرضه الذي توفّي فيه : وددت أنّي سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب (١)؟
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٤ / ٥٣ [٣ / ٤٣١] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٥٤ [٤ / ٩٣]. يأتي الكلام حول هذا الحديث وصحّته في الجزء السابع. (المؤلف)