فلو كان أبو بكر سمع النصّ على خلافته من رسول الله ، كما هو صريح بعض تلكم المنقولات ، لما كان مجال لتمنّيه هذا إلاّ أن يكون قد غلبه الوجع ، أو أنّه كان هجراً من القول كما احتملوه في حديث الكتف والدواة.
٢ ـ وما أخرجه مالك عن عائشة قالت : لمّا احتضر أبو بكر رضى الله عنه دعا عمر فقال : إنّي مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر ، وكتب إلى أُمراء الأجناد : ولّيتُ عليكم عمر ، ولم آل نفسي ولا المسلمين إلاّ خيراً (١).
فإن كان هناك نصٌّ على خلافة عمر ، فما معنى نسبة أبي بكر الاستخلاف والتولية إلى نفسه؟
٣ ـ وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : دخلتُ يوماً على أبي بكر الصدّيق في علّته التي مات فيها ، فقلت له : أراك بارئاً يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي ، إنّي ولّيتُ أُموركم خيركم في نفسي ، فكلّكم وَرِم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ... إلى أن قال : فقلتُ : خفّض عليك يا خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ هذا يهيضك (٢) إلى ما بك ، فو الله ما زلتَ صالحاً مصلحاً ، لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا ، ولقد تخلّيت بالأمر وحدك فما رأيت إلاّ خيراً (٣).
تورّم أنف الصحابة إمّا لاعترافهم بعدم النصّ وأنّ الخيرة قد عدتهم من غير ما أولويّة في المختار ، أو : لاعتقادهم وجود النصّ ، لكنّه لم يُعمل به بل أُعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنّها قد عدتهم ، وإمّا لاعتقادهم أنّ الأمر لا يكون إلاّ باختيار الأمّة
__________________
(١) تيسير الوصول للحافظ ابن الديبع : ١ / ٤٨ [٢ / ٥٧]. (المؤلف)
(٢) هاض العظم : كسره بعد الجبور. (المؤلف)
(٣) تاريخ الطبري : ٤ / ٥٢ [٣ / ٤٢٩] ، العقد الفريد : ٢ / ٥٤ [٤ / ٩٢] ، تهذيب الكامل : ١ / ٦ ، إعجاز القرآن [للباقلاني] : ص ١١٦ [ص ٢١٠ ـ ٢٢١]. (المؤلف)