قال الأميني : وفي ترك هؤلاء الثلاثة الاحتجاج بهذه الرواية يوم فاقتهم إليها عند طلب الخلافة ، وقد بلغ الجدال أشدّه حتى كاد أن يكون جلاداً ، دليل واضح على أنّهم لم يدخلوا ذلك البستان الخياليّ ، ولا سمعوا تلك البشارة الموهومة ، وأنّ الله سبحانه لم يبرأ ذلك البستان ليوطّد فيه أساس الفتن المدلهمّة ، ثمّ لما ذا لم يروِها لهم أنس يوم تزلّفه إليهم ، وتركاضه معهم ، وتركها لأحد الرجلين بعده : الصقر وعبد الأعلى؟
ألا تعجب من حافظين كبيرين كأبي نعيم في متقدّمي القوم ، والسيوطي في متأخّريهم ، يروي الأوّل هذه الرواية بإسناده الوعر في دلائل النبوّة (١) (٢ / ٢٠١) من طريق أبي بهز الكذّاب ويركن إليها ، ويرويها الثاني في الخصائص الكبرى (٢) (٢ / ١٢٢) ، ويتبهّج بها؟ ولم ينبس أحد منهما ممّا في إسنادها من الغمز ببنت شفة.
٢ ـ عن عائشة قالت : كانت ليلتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش ، قلت : يا رسول الله ألست أكرم أزواجك عليك؟ قال : بلى يا عائشة. قلت : فحدّثني عن أبي بفضيلة ، قال : حدّثني جبريل أنّ الله تعالى لمّا خلق الأرواح اختار روح أبي بكر الصدّيق من بين الأرواح ، وجعل ترابها من الجنّة وماءها من الحيوان ، وجعل له قصراً في الجنّة من درّة بيضاء مقاصيرها فيها من الذهب والفضّة البيضاء ، وأنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يسلبه حسنة ولا يسأله عن سيّئة ، وإنّي ضمنت على الله كما ضمن الله على نفسه أن لا يكون لي ضجيعاً في حفرتي ، ولا أنيساً في وحدتي ، ولا خليفةً على أُمّتي من بعدي ، إلاّ أبوك يا عائشة ، بايع على ذلك جبريل وميكائيل ، وعقدت خلافته براية بيضاء ، وعقد لواؤه تحت العرش ، قال الله للملائكة : رضيتم ما رضيت لعبدي ، فكفى بأبيك فخراً أن بايع له جبريل وميكائيل
__________________
(١) دلائل النبوّة : ٢ / ٧٠٧ ح ٤٨٨.
(٢) الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٠٦.