في المطبق من دار الخلافة ، وأنعم عليه بخمسمائة دينار ، وهو من أعيان عدول مدينة السلام ، وأفاضل أرباب الطريقة المتكلّمين بلسان أهل الحقيقة ، كان يصحب الفقراء دائماً ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشّن والتباعد من العالم ، وكان الموفّق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته ، فعمل فيه أبياتاً طويلة ، ولمّا انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ، ووكّل به أيّاماً ولم يخرج إلاّ بشفاعته ، وأوّل الأبيات :
ناديتُ شيخي من شدّة الحربِ |
|
وشيخنا في الحرير والذهبِ |
في دستِه جالساً ببسملةٍ |
|
بين يديه من قام في أدبِ |
وركبة منه كنت أعهده |
|
يذمُّ أربابَها على الرتبِ |
وكان أبناؤها لديه على |
|
سخطٍ من الله شامل الغضبِ |
أصابَ في الرأيِ من دعاك لها |
|
وأنت لمّا أجبت لم تُصِبِ |
أوّلُ صوتٍ دعاك عن عرضٍ |
|
لبّيتَهُ مقبلاً على السببِ |
ويقول فيها :
قد كنتَ ذاك الذي تُظَنُّ به |
|
لو لم تكن مسرعاً إلى الرتبِ |
شيخي أين الذي يعلّمنا الزه |
|
د ويعتدُّه من القربِ |
أين الذي لم يزلْ يُسلِّكنا |
|
إلى خروج عن كلّ مكتسبِ |
أين الذي لم يزلْ يعرِّفنا |
|
فضلَ التمرّي بالجوعِ والتعبِ |
ومنها :
أين الذي لم يزلْ يُرغِّبنا |
|
في الصوفِ لبساً له وفي الجشِبِ |
وأين من غرَّنا بزخرفةٍ |
|
متى اعتقدناه زاهدَ العربِ |
وأين ذاك التجريد يشعرنا |
|
أنَّ سواه في السعي لم يخبِ |