الجيش من قدّم بمعنى تقدّم استعيرت لأوّل كلّ شيء ، فقيل مقدّمة الكتاب ، وفتح الدّال خلف ، انتهى مورد الحاجة.
الثّاني : إنّه منقول من مقدّمة الجيش ، بمعنى أنّه كان حقيقة عرفيّة في طائفة من الجيش تتقدّم عليه ، ثمّ نقل منها إلى طائفة من الألفاظ الّتي تتقدّم على الكتاب تعيينا أو تعيّنا. فعليه طرأ النّقل على لفظ المقدّمة مرّتين طولا أي نقل تارة من معناه الأوّلي وتارة أخرى من معناه الثّانوي لأنّه في الأصل اسم فاعل مشتقّ من قدّم بمعنى تقدّم ، وكان يصحّ إطلاقه على كلّ شيء ثبت له التقدّم ، ثمّ نقل عرفا إلى الاسميّة ، وجعل اسما لخصوص طائفة من الجيش تتقدّم عليه ، فالتّاء فيه للدّلالة على النّقل كالتّاء في الحقيقة.
وجه الدّلالة إنّ التّاء في الأصل للتّأنيث ، وهو فرع التّذكير وكذلك الاسميّة الطّارئة فرع الوصفيّة الأصليّة.
لا يقال : إنّ التّاء موجودة حال الوصفيّة أيضا لكون الموصوف في المقام مؤنّثا.
لأنّا نقول : يقدّر زوالها والإتيان بغيرها ، ثمّ نقل اصطلاحا من معناه العرفي إلى طائفة من الألفاظ الّتي تتقدّم على المقصود ، بخلاف ما إذا قلنا : بكونها مستعارة ، إذ طرأ النّقل عليه مرّة عرفا ، ثمّ طرأ عليه المجاز.
الثّالث : إنّ كلّا من مقدّمة الجيش ومقدّمة الكتاب منقول من اسم فاعل مشتقّ من قدّم بمعنى تقدّم ، يعني أنّ لفظ المقدّمة كان في الأصل اسم فاعل لقدّم بمعنى تقدّم ، ثمّ طرأ عليه النّقل عرفا واصطلاحا من معناه الوصفي إلى المعنيين الاسميّين ، أعني طائفة من الجيش وطائفة من الألفاظ ، كما يظهر من كلام المغربيّة حيث قال : قدّم وتقدّم بمعنى واحد ، ومنه مقدّمة الجيش ومقدّمة الكتاب ، فإنّ ظاهر هذا الكلام أنّ استعمال لفظ المقدّمة في مقدّمة الكتاب ليس متفرّعا على استعماله في مقدّمة الجيش ، وأنّ النّقل إليهما عرضيّ لا طوليّ.
الرّابع : إنّ لفظ المقدّمة منقول من اسم مفعول مشتقّ من قدّم المتعدّي والوجه فيه ظاهر ، فإنّ المصنّفين يقدّمونها أمام المقصود لتوقّف المسائل عليها ، وقد جوّز ذلك المحقّق الدّيواني حيث قال : ـ في تعليقته على التّهذيب ـ : المقدّمة : ـ بكسر الدّال وبفتحها ـ